وفي خريف سنة ١٨٨٥ انتدبته الحكومة مرة ثالثة لدراسة أنظمة التعليم الابتدائي في ألمانيا وفرنسا وسويسرا. وكان الغرض الأساسي من رحلته هذه الإطلاع على المصروفات التي يدفعها الآباء عن أبنائهم، وعن مقدار المساعدة التي تقدمها البلديات للحكومة للقيام بهذا الأمر الحيوي. فكتب تقريراً ضافياً بلغة أضعف من اللغة التي كتب بها تقاريره السابقة.
وفي هذه السنة نفسها استقال من منصبه الحكومي طلباً للراحة. فكافأته الحكومة البريطانية جزاء ألقابه الكثيرة براتب سنوي كبير. وكان في هذا الحين قوي البنية سليم التركيب مما جعله يكثر من الكتابة في المواضيع السياسية التي تشغل أهل عصره. وفي سنة ١٨٨٨ نراه يرحل رحلته الأخيرة إلى ليفربول للقاء ابنته العائدة من أمريكا حيث قضى نحبه بينما كان يعدو للحاق إحدى عربات الترام.
وقد أسف الناس لفقده أسفاً شديداً نظراً لهذه الخاتمة المحزنة التي لم يكن يتوقعها الناس لقوة بنيته وسلامة تركيبه.
فنه:
إن من الصعب علينا أن نتناول في هذه المقالة فن هذا الكاتب العبقري دون أن نلم بالنواحي العديدة التي نبه اسمه فيها، فقد كان حقاً رجلاً جامعاً لجميع فنون الأدب ونواحيه. وللبحث فيه بحثاً مسهباً علينا أن نرسم شخصياته المتعددة ونحللها على ضوء النقد والأدب فنراه كناقد بارع، وكشاعر رقيق، وكناثر سلس، وكسياسي حاذق، وكفيلسوف ديني شديد الغموض. ولنبدأ في بحثه كناقد أدبي فنرى أثره العظيم في عالم النقد.
نقده:
كان نقده شديد الغموض والأشكال، وكانت مقالاته في النقد التي ظهرت سنة ١٨٦٥ العامل الأول في ظهور أمره كناقد أدبي وكأديب لم يرتفع اسمه في عالمي الشعر والنثر كما ارتفع في عالمه الثالث. وفي هذا الكتاب نراه يبحث أبحاثاً طريفة أحبها جميع قرائه، فطالعوها بشغف وإمعان. ومن المسائل الكثيرة التي بحثها في كتابه هذا مشكلة المجمع العلمي وهل من الفائدة في شئ أن تشاد مثل هذه المؤسسة في إنكلترا كما شيدت في فرنسا من قبل. لم يبين وجهة نظره في المسألة بل أخذ النقيضين ودافع عن كل منهما دفاعاً شديداً أخطأه