(وحليت الدنيا في عينيهما فصارت رياضاً وأنهاراً ووروداً وأزهاراً وطيوفاً من ضياء الشفق البهيج، وروحات من نسيم الفجر العليل يتقلبان في أيام كلها أصيل وليالي كلها سحر.
ومن مثل هذا النسق العالي كانت كتابة (باكثير) عن ذلك الحب الفائق، ومن مثله كان وصفه للطبيعة في بعض جنبات روايته.
بقي أن نعتب على مؤلفنا الموهوب ما حشد به روايته من أسماء كثيرة لأناس في العهد الأيوبي لم تكن الرواية - في رأينا - بحاجة إلى ذكرهم.
ونحن نستميح صديقنا المؤلف في أن نسأله: ما هذه الحيدة عن الطابع الأدبي الخالص في بعض أنحاء الرواية حين يسوق أحداث التاريخ غير مدبجة بيراع الأديب فلا هي خفيفة ولا هي محبوبة بل هي مجهدة للقارئ مزعجة إياه. لقد قال مثلاً في أحد المواضع:(فلما كان يوم السبت لست بيقين من ذي العقدة سنة ٦٥٧ حصل كيت وكيت) فانظر كيف يثقل هذا على من يقرأ قصة أدبية محضاً. إن اللمحات بله العبارات الأدبية - وخاصة إذا كانت من أديب تمرّس بالقصة وتوفر عليها مثل مؤلفنا البارع - كانت كفيلة جداً بأن تشق لنا مسالك التاريخ في الحدود التي تناسب روايته بوصفها أثراً أدبياً لا كتاباً تاريخياً. إن القصة الفنية كاللوحة - كم هو معلوم - والرسام يرسم الصورة للشيء القديم فيجعلنا بفنه ندرك تاريخ هذا الشيء، دون أن يضع عليه اسم يوم أو شهر أو سنة. ألا وإن الفطرة الفنية الذواقة على نقيض العقلية العلمية لا تحفل كثيراً بالتواريخ ولا تعني بالأسماء إلا بقدر. وأظن إن الأستاذ المؤلف إذا عني بتقديم روايته لمسابقة وزارة المعارف في الموعد الذي ضرب للمتسابقين أعجل عن بث مواهبه الفنية في تلك الأجزاء. ولو فعل لكانت روايته يقيناً من أرفع الآثار الفنية لدينا.
وبعد فلا بد أن نقرر أن المؤلف كان في جل روايته نافذ القوة، وأنه - فيما خلا المواضع المشحونة بالتاريخ لغير داع فني - بلغ فيما عرضه أقص ما يبلغه مؤلف في نفس قارئه من الانفعال والأثر القوي.