أنها - مع علو نمطها - ليست الشيء الذي وضعت له الرواية وتلك لا ريب من خصائص القصة الفنية الناجحة.
ولقد عرض المؤلف أشخاصاً يتعذر على القارئ نسيانهم لوفرة ما لذوا شعوره وناجوا ضميره. فكيف ينسى مثلاً (ممدود) أبو قطز وصهر جلال الدين ووليه الحميم ومستشاره الحصيف الأمين؟ وكيف ينسى (سلامة الهندي) الخادم الوفي الذي حمل الطفلين: قطزا وجلنارا - وكان اسماهما في طفولتهما محمودا وجهادا - إلى الهند يوم أغرق نساء بيت (خوارزم شاه) في اليم تفادياً من ذل الإسار، والذي قاسى ما قاسى ابتغاء الوفاء، والذي مات هماً بالغلامين إذ بيعا في أسواق النخاسة وجزعاً عليهما من تفرق الشمل؟ وكيف ينسى (غانم المقدسي) السري الصالح وزوجته البارة؟ و (الحاج علي الفراش) الخادم الخير الذي لا تمنعه ضآلة منزلته من إسداء الجميل؟ و (ابن الزعيم) المحسن البار والوطني المسلم المجاهد؟
فأما (الشيخ عز الدين بن عبد السلام) العالم الذي لا يشتري بدينه ثمناً قليلاً، والسياسي الخالص العقيدة، والمجاهد الصادق البأس، والزعيم الذي يجد الناس في زعامته أنواراً وآمالاً، فما ألطف وما أجل وما أنفع ما جرى به عنه قلم المؤلف في روايته. إن القارئ كلما حكى المؤلف عن عز الدين شيئاً لتحويه موجات روحية، وإن نفسه لتسمو وتسمو.
وفي الرواية صفحات أخرى كثيرة كأنها لعذوبتها فيوض من الشعر كتبها المؤلف بأسلوب مسيطر ينتزع للرواية منزلة طيبة بين الآثار الأدبية.
فطفولة (جهاد) الحلوة ومعابثة أبيها إياها وطموح (محمود) وبطولته وغرامه بتدمير التتار وهو بعد في طفولته يجتاز الحياة على جسور من الأوهام والأحلام، والحب الأكيد بين الطفلين، ومناجاة جلال الدين لأبيه حين أخطأ جلال وقسا على بلد إسلامي. . هذه كلها فيها جمال مؤثر ورقة تلفت القلوب، وفيها دقة وحذق تساوقان علم النفس مساوقة ملحوظة.
والحب الذي كان بين قطز وجلنار، الحب العظيم الذي كأن السماء كانت ترعاه، والذي نعما به وشقيا، هو في كل مراحله من أمتع ما في الرواية وأكثره استهواء للب وهزاً للعواطف.