المختلفة هي التي هدتني إلى موضع النقص عند أول نظرة ألقيتها إليه من وراء، وبالتالي هدتني إلى إصلاح هذا النقص بتغيير الذي كنت أتخذه من نموذجه. أما الخطأ في التقدير الذهني فأمر يتعذر إصلاحه إلى حد كبير بالإضافة إلى سابقه، لأن الفكرة الواحدة ليست إلا حلقة مفردة من سلسلة طويلة متصلة من الأفكار. وليس الخطأ الأخير في تقدير أمر ما إلا نتيجة أخطاء متكررة سبقت، أو هو شعبة حديثة من الغلط لأصل عميق غائر الجذور من أغلاط متعددة متباينة، والحنظل لا ينبت إلا الحنظل. . .
وإن مراجعة الفكرة الأخيرة لمما يقتضي مراجعة الأسباب التي أنتجتها؛ وهذه الأسباب ليست إلا خلاصة المبادئ والقوانين العقلية التي ارتضاها الإنسان لنفسه واعتنقها، لا جملة واحدة، ولكن مبدأ مبدأ؛ وكل مبدأ منها كان الأساس لما تلاه والنتيجة المحتومة لما سبقه. أو هي - على الأقل - الخلاصة المصطفاة لوحدة تامة مستقلة من هذه المبادئ والقوانين. . .
لذلك يبدو من المعتذر أن يصلح الإنسان خطأ نفسه بنفسه، إلا أن يكون من غير المتعذر على ناسج الثوب أن يستل الخيط الذي أخطأ في تقدير وضعه، دون أن يخل بأوضاع ما جاوره من الخيوط أو يشوه من ترتيبها. وإنما يهون الأمر علينا كثيرا أن نستعين على إصلاح نتائجنا المغلوطة بوسائل غيرنا الصحيحة. ويكون ذلك بالرغبة الشديدة في الاقتناع، والتهيؤ التام لقبول وجهات النظر وإن اختلفت، ثم التجرد الكامل لها بالفهم والإحاطة والتقدير والتمحيص؛ حتى ينبثق خلالها نور الحق، وتنضرح شوائب الريبة فيها عن محض اليقين. . .
والمثل الجلي لاختلاف الحواس في التقدير - تبعا لقصور الفحص أو قلة التعمق فيه - تبسطه لنا هذه القصة التي ساقها الغزالي في إحيائه عن جماعة من العميان ذهبوا ليتعرفوا كنه الفيل وقد أقدمه الملك إلى بلدهم. . . فلمسوه بأيديهم جميعاً في مواضع من بدنه مختلفات، ثم انصرفوا وقالوا قد عرفناه! ولما استوضحهم إخوانهم حقيقته قال الأول، وكان قد لمس رجله: الفيل كأسطوانة من أساطين المسجد، خشنة الظاهر وفيها بعض اللين. . . وقال الثاني وكان قد عثر بنابه: لعمري إن الفيل لم يبلغ قدر الأسطوانة وإنما هو كعمود صغير، ثم إنه ناعم الملمس غير خشن، وصلب لا لين فيه. وتكلم الثالث فقال: بل هو مثل جلد عريض غليظ خلا من شبه الأسطوانة ومن النعومة والصلابة جميعاً. فخالف زميليه