المدنية، وعلى أي حال فليست هي مما يبنى فليه حكم أو مما يدعو إلى العدول عن عادة أيدها الدين.
محمد أحمد الغمراوي
في عبقرية الإمام
لقد بلغ العقاد العظيم الذروة في (عبقرية الإمام) فجاء كتابه على خير ما تجئ، الكتب من قوة الأسلوب ونضج البحث وعمق التحقيق والنفاذ إلى أغوار الأشخاص. غير أن لنا على الكتاب بعض الملاحظات التي نرى لزاماً أن يتوجه بها إلى المؤلف الفاضل بعد أن رأينا الحقائق وحدها كانت هدفه ومبتغاه
يقول المؤلف في الصفحة ١٥٧ في معرض بحثه عن حكومة الإمام:(وكان أنصار الإمام أبداً من الفرس والمغاربة والمصريين أكثر من أنصاره بين قريش خاصة وبين بني هاشم على الأخص وبين قبائل العرب جميعاً على التعميم)
ولا ندري إذا كان حفظه الله يعني بذلك أنصار الإمام في حياته وخلال خلافته، أم يعني أنصار الإمام بعد وفاته وانقضاء زمانه. فإذا كان الأول فلا نحسب أنه كان بين جيوش الإمام من هو غير عربي؛ بل الذي نعرفه أن جيشه من أكبر قائد إلى أصغر جندي كان جيشاً عربياً خالصاً قوامه تلك القبائل العربية الشهيرة التي ما خالطتها عجمة ولا شابتها هجنة، وأن مؤيديه كانوا صفوة المهاجرين والأنصار، وخلاصة المسلمين الأقحاح الذين أنبتتهم رمال الجزيرة العربية وغذاهم نخيلها. فهمدان ومضر وربيعة وتميم وكندة والأوس والخزرج وطئ وعبد القيس ومذحج وبكر بن وائل والنخع وخزاعة وفزارة وأسد وكنانة وقضاعة وبجيلة وذهل وغيرها كانت عدة علي في حروبه وجنوده في قتاله. وهذه كلها قبائل عربية صريحة، وإذا كان المصريون من أشد أنصاره حماسة وأكثرهم في تأييده اندفاعاً، وإذا كانت مصر هي البلد الذي هتف باسمه بين لدد الخصوم وتصبح الأهواء، ورشحه للخلافة دون هوادة ولا لين، فلا شك أن مصر كانت بلداً عربياً، والمصريون فيها كانوا - كما هم اليوم - من العروبة في الصميم. وأما المغاربة فما سمعنا لهم بين تلك الصيحات صيحة لنعرف أين كانت وجهتهم ومن كان رجلهم المرموق بقى أن يكون ما