واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير. ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين الفطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير، ويعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور)
ومن ذلك ما ورد في شأن بَلْقِيس ملكة سبأ، وفي شأن الصرح العجيب الذي بناه لها، وذلك في الآيات (٤١، ٤٢، ٤٣، ٤٤) من سورة النمل (قال نكروا لها عرشها نظر أنهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون. فلما جاءت قيل أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو! وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين. وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين. قيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها، قال إنه صرح ممرد من قوارير، قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان الله رب العالمين)
وكان هذا الصرح العجيب آية في فن البناء. ذكر المفسرون أنه كان قصرا من الزجاج الأبيض كالماء، وقد أقامه على ماء يجري تحته، وألقي فيه السمك والضفادع وغيرهما من دواب البحر، ثم وضع سريره في صدر المجلس عليه، فلما جاءت بلقيس قال لها: ادخلي الصرح، فحينئذ حسبته لجة عظيمة من الماء، وكشفت عن ساقيها لتخوضها إليه، فقال لها: إنه صرح ممرد من قوارير، فحينئذ سترت ساقيها، وآمنت بعظمة ملك سليمان عليه السلام
ولكن اليهود أدركهم في حضارتهم من الغرور ما أردك غيرهم، حتى زعموا أن ما وصلوا إليه فيها كان إيثاراً من الله لهم فركنوا إلى ذلك الغرور حتى سلبهم الله ما كانوا فيه من العز، وسلط عليهم غيرهم من الأمم، وإلى هذا بشير الله تعالى في الآية (١٨) من سورة المائدة (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلم يعذبكم بذنوبكم، بل أنتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير)
وقد أضافوا إلى ذلك الغرور القاتل الاستكانة للرؤساء حتى اتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله فسار قادتهم وراء أهوائهم، ولم يكن لهم من أمتهم رقيب عليهم، وكان لهذا أثره أيضاً في القضاء على حضارتهم