واشهر القائلين بها في عصرنا كاتب أمريكي ملحد هو ابتون سنكلير يقيم التجارب التي تثبت النظر على البعد أو الشعور على البعد، ويسجل فيها سجل تجاربه مع زوجته حيث كانا يجلسان في مدينتين بعيدتين ويحيط بكل منهما شهود كثيرون منهم المنكرون ومنهم المصدقون، فيطلب إليه بعضهم أن يرسم شكلاً هندسياً وأن يوجه شعره إلى امرأته لترسم مثله في تلك اللحظة، ويطوي الرسمان حتى يعلنا بعد ذلك فيتفق في كثير من الأحوال أن يتشابها في الخطوط، وإن اختلفا في الأبعاد كما يختلف المثلث الكبير والمثلث الصغير مع اتفاق الزوايا والنسب الهندسية
هذه التجارب يقول بها ويسجلها ويعلنها في الكتب السيارة رجل قلنا إنه ملحد لنقول إنه لا يقصد من كلامه تبشيراً بعقيدة أو خدمة لمذهب اجتماعي، لأن مذهبه الاجتماعي يقوم على (الفهم المادي) للتاريخ ولا يحوجه إلى التبشير بهذه الهبات النفسية، بل لعله ينفره منها ويحبب إليه السكوت عنها
واعتقادنا في (التلباثي) أنه هبة نفسية جائزة لا تناقص العقل ولا يمنعها العلم بدليل
لأنها تستند إلى الحس، ولا فرق بينها وبين هبات الحس التي نباشرها كل يوم إلا في طول المسافة، وهو فرق اعتباري غير قاطع بين حالة وحالة. إذ من ذا الذي يستطيع أن يقول إن الحس ينتهي عند هذه المسافة ولا يجوز عقلاً أن يتعداها ويذهب إلى ما وراءها!
أننا نرى كل يوم في العصر الحاضر أن صوتاً يصدر من أمريكا أو اليابان ويسمع كما يسمع فيها حديث الجلساء. ولولا المذياع لعددنا من يزعم هذا الزعم ممخرقاً يعبث بعقول سامعيه
فإذا جاز سماع الصوت على هذه المسافات الشاسعة بجهاز من الأجهزة المصنوعة فلماذا يمتنع على قوى الذهن أو قوى الشعور أن تحس على هذه المسافة أو تتصل بنفس أُخرى وذهن آخر متى تهيأت لها أسباب اتصال؟
فالتصديق بالتلباثي لا يدعونا إلى اختراع حس جديد أو ملكة غيبية من وراء الطبيعة، ولكنه يدعونا إلى تصديق هذا الحس الذي نباشره كل يوم في مختلف شؤون الحياة، مع السماح له بالامتداد والتكبير، وهما غير ممنوعين ولا مناقضين للمعقول أو المشهود
والحس نفسه لا يقل في غرابته عن (التلباثي) كما يقول بها اشد الغلاة المؤمنين بها من