الروح الفردية بصورة جلية على الأخص في مملكة أفلاطون؛ وفي آراء كل من الفيلسوفين انعكاس تام لآراء اليونانيين الخاصة بالنسبة لسياسة المدن حيث كانت حكومة المدن هي النموذج الأعلى لنظام الحكم لدى اليونانيين القدماء. أما في مملكة الفارابي فالمثل الروماني بالنسبة لطريقة الحكم هو المثل الأعلى إذ يسيطر الرئيس الذي افترضه الفارابي على المعمورة الفاضلة كلها، وفي حالة تعذر وجوده يقوم رئيسان أو ثلاثة أو أربعة أو غير ذلك من توفرت فيهم شروط الرآسة الفطرية والقابليات الطبيعة بنظام الحكم على طريقة تشبه طريقة حكم المسلمين في أوائل عهدهم وإلا هلكت المملكة أو المدينة وتاهت البشرية. وإن تعذر وجود الرؤساء قام وكلاء عن الرؤساء بالأمر يدبرون شؤون الناس ويقومون بتنفيذ الأحكام والعدل بين الناس وتكون لهم سلطة عليا لا حد لها تستند على حق طبيعي شرعي افترضه العقل على الإنسان فرضاً
وعلى الرئيس الحاكم أن يسعى في جلب السعادة لأتباعه المرؤوسين؛ ومتى حصل ذلك، وكانت الخصال التي رآها الفارابي قد توفرت فيه كان ذلك الرئيس هو الرئيس الفاضل، وكانت المدينة هي المدينة الفاضلة ولا يهم الفارابي بعد ذلك شكل الحكم إذ هو فيلسوف يفني في السعادة ويرى الخير كل الخير فيها على نحو ما يذهب إليه المتصوفة وما ذهب إليه الفيلسوف أرسطو
والرؤساء هم الذين يعينون شكل المدن ويهدون الناس إلى الصراط المستقيم. فإذا كان رؤساء المدينة أو الرئيس الأول من طبقة الحكماء الذين دأبهم الخير للمجتمع كانت المدينة فاضلة، وإذا كان دأب الرؤساء أو الرئيس الأول استغلال أهل المدينة والتحكم في الناس كانت المدينة مدينة جاهلية أو ضالة أو متبدلة حسب المعاملة الغالبة التي تكون بين رؤساء هذه المدينة أو أبنائها. ويحاول الفارابي أن يضع العلامات الفارقة التي تبين شكل المدينة ولكنه لا يحاول أن يعين نوع الحكم ولا طريقة الحكم كما فعل القديس أوغسطين أو توماس الأكويني أو توماس مور أو سنت سيمون أو غيرهم من الأيتوبيين
لم يعتقد الفارابي بنظرية المساواة الاجتماعية ولم يتصور في مدينته الفاضلة أية صورة للمساواة الاشتراكية التامة أو الناقصة سواء أكان ذلك بين أهل المدينة بصورة عامة أو بين طبقة معينة كما تصور ذلك أفلاطون. والفارابي فيلسوف عملي من هذه الناحية يرى