حركة لا تتكرر ولا تعيد نفسها على نفس المنوال وفي نفس الظروف التي حدثت بها في فترة سابقة. نعم إنه قد تقع حوادث متشابهة، ولكن تشابهها لا يمكن أن يكون مطلقاً؛ والإنسان يجب أن يعرف تاريخه ككائن اجتماعي، فينبغي أن يعرف تاريخ تطوره وتاريخ آثاره في الزمن الماضي. وينبغي أن يدرس العوامل التي أدت إلى حدوث الغارات والحروب، وما لابس ذلك، وما خلفته من آثار؛ وأن يتبع مثلاً حركة الكشف الجغرافي في أواخر القرن الخامس عشر، وما ترتب عليها من تغيير طريق التجارة العالمي، وما ارتبط بذلك من هبوط سلطنة المماليك وجمهورية البندقية، وارتفاع شأن دول غرب أوربا كالبرتغال وهولندا وإنجلترا؛ وأن يدرس الأسباب التي أوجدت نوعاً جديداً من الأدب أو الفن وما إلى ذلك من أوجه النشاط الإنساني ومقومات الحضارة.
وحوادث التاريخ هي من صنع الإنسان في ظروف معينة؛ فينبغي أن يقرأ الإنسان وأن يدرس هذا التاريخ؛ فالعلاقة وطيدة بين حياة الإنسان وبين القرون والعصُر الماضية. ولا يمكن للإنسان أن يفهم نفسه وأن يفهم الحاضر بدون الماضي؛ ومعرفة الماضي تكسبه خبرة السنين الطويلة؛ والتأمل في الماضي يبعد الإنسان عن شخصه، فيرى مالا يراه في نفسه بسهولة من مزايا وأخطاء الغير؛ ويجعله ذلك أقدر على فهم نفسه وأقدر على حسن التصرف في الحاضر وفي المستقبل. ولكي ندرك أهمية معرفة الماضي ووجوب دراسة التاريخ، فلنفرض أننا استطعنا بوسيلة ما أن نقطع صلتنا بالماضي نهائياً، وأن نحرق دور الكتب وأن ندمر كل أثار العمران الراهنة، وأن ننسى أنفسنا؛ فماذا تكون عليه حال الإنسان وحال الحضارة؟ لا بد للإنسان في هذه الحالة من أن يعود ليبدأ من جديد ما كان قد بدأه منذ آلاف السنين من أوجه النشاط المختلفة لكي يصل إلى النقطة التي قطع فيها صلته بماضيه التاريخي، أو إلى ما يقاربها. فماضي الشعوب وماضي الإنسان حافل بشتى الصور، وهو عزيز عليه في كل أدواره، سواء عهود المجد والقوة، أو فترات المحن والكوارث؛ والأقوام الذين لا ماضي لهم ليسوا من شعوب الأرض المتحضرة. ومتى اقتنعنا بوجوب معرفة التاريخ والاستفادة منه، فينبغي إذاً أن يكتب هذا التاريخ، ويجب أن يتخصص لكتابته بعض الناس من أصحاب الاستعداد.
وليس كل من يحاول أن يكتب التاريخ يصبح مؤرخاً. فالمؤرخ ينبغي أن تتحقق فيه