ومن الذين لم تعجبهم القاهرة ابن سعيد صاحب كتاب:(المعرب في حلى المغرب)، فقد سمع عنها كثيراً، فلما رآها استكثر الأخبار عنها وقال بنص عبارته:(هذه المدينة اسمها أعظم منها. وكان ينبغي أن تكون في ترتيبها ومبانيها على خلاف ما عاينته لأنها مدينة بناها المعز أعظم خلفاء العبيديين)
وما أشبه هؤلاء المتحاملين من العرب المتجنين على مصر بالمتحاملين اليوم من الفرنجة عليها! فهم ينكرون منها كل منظر حسن ومشهد جميل، ويسجلون عليها غير ذلك
استمع إلى ابن سعيد هذا وهو يصف القاهرة في تحامله وتجنيه:(ولقد عاينت يوماً وزير الدولة وبين يديه أمراء الدولة وهو في موكب جليل، وقد لقي في طريقه عجلة بقر تحمل حجارة وقد سدت جميع الطرق بين يدي الدكاكين، ووقف الوزير، وعظم الازدحام، وكان في موضع طباخين، والدخان في وجه الوزير وعلى ثيابه، وقد كاد يهلك المشاة وكدت أهلك في جملتهم. وأكثر دروب القاهرة ضيقة مظلمة كثيرة التراب والأزبال، والمباني عليها من قصب وطين) انتهى. على أن شيئاً واحداً لا تنساه القاهرة للفاطميين، وهو الحفلات الكثيرة المختلفة التي كانوا يقيمونها في الجمعة والأعياد والولائم والمناظر وليالي الوقود التي تسبق أول ومنتصف رجب وشعبان وحفلات توديع الحملات الحربية التي سجلها كثير من شعراء ذلك العصر وخاصة عمارة اليمنى شاعر الفواطم المشهور.