الفاطمي من على منبر الجامع. وخطب في يوم ١٩ شعبان سنة ٣٥٨ هـ هبة الله بن أحمد خليفة إمام مسجد عمرو. ودعي أيضاً في جامع ابن طولون للخليفة الفاطمي في يوم جمعة من ربيع الآخر سنة ٣٥٩ هـ؛ ثم دعي في الجامع الأزهر بعد بنائه، وكان الدعاء فيه في السابع من رمضان سنة ٣٦١ هـ، وبعد ذلك دعي في مسجد الحاكم
وكان في القاهرة (مكتبة القصر) التي ذكرها المقريزي وأبو شامة وغيرهما. وقد قال فيها أبو شامة (يقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت في القاهرة في القصر). وكانت هذه المكتبة تحوي النادر من الكتب. وذكر المقريزي صاحب الخطط أنها كانت في المارستان العتيق وفيها أكثر من مائتي ألف مجلد
ولم تكن تلك هي المكتبة الوحيدة في القاهرة، فقد عرف عن الفاطميين حبهم للعلم وتشجيعهم للأدب وإكثارهم من إنشاء المكتبات. ولقد أنشأ الحاكم بأمر الله (دار الحكمة) وهي أشبه بجماعة علمية، وألحق بها مكتبة تسمى (دار العلم)
وكان هناك مكتبات خاصة للأفراد، تتسع وتعظم تبعاً لمقدرتهم؛ ومكتبة ابن كلس الوزير المشهور أحق ما يذكر في هذا المقام. وكان ابن كلس هذا مجدوداً في النعمة، واسعاً في الثروة، وكان له دار يجتمع فيها عنده القراء والأئمة، والغلمان والحاشية، وفيها ميضأة منظمة وثماني غرف للنوم، وديوانه الخاص الذي أسماه (العزيزية) تيمنا باسم العزيز الفاطمي. ولما كان ابن كلس يهودياً وأسلم، كان لليهود دالةٌ في عهده، بل كان لهم شأن كما يذكر المؤرخون. ولقد أثارت محاباتهم شعور الاستياء عند المسلمين؛ فقد رأوا لهم الكلمة والنفوذ، والمنزلة والجاه، والقربى والشفاعة (لأسباب صهرية) ورأوا المسلمين بعيدين من كل خير، مُنأيْن عن كل منزلة، فحرك هذا بعض الشعراء بالكلام؛ فقال الرضى بن البواب:
يهود هذا الزمان قد بلغوا ... غاية آمالهم وقد ملكوا
العز فيهم والمال عندهُم ... ومنهم المستشار والملك
يأهل مصر إني نصحت لكم ... تهودَّوا، قد تهود الفلك!!
وكان الغنى في أيام الفاطميين شاملاً، والثروة واسعة، وأغلب هذه الثروة بالطبع في أيدي الخلفاء وأبنائهم. وكان للمعز لدين الله وبنتيه ثروة تحتاج إلى أربعين رطلاً من الشمع