ألربك البنات ولهم البنين). في هذه الآيات وما إليها لا يستقيم في نظري تفسير البنات بالملائكة، لأن الملائكة لا تقابل الذكور من بني آدم. فلا يصح أن يقال فيمن يقتصر على نسبة الملائكة لله معتقداً أنهم إناث: أنه يختص نفسه بالبنين من الآدميين دون بناتهم، كما تصرح هذه الآيات، وإنما يقال فيه أنه ينسب لنفسه النوعين من الآدميين - أي الذكور والإناث - وينسب لله الملائكة ويجعلهم من نوع الإناث لا غير.
على أن كثيراً من الآيات التي ذكرتها في المقال لسابق، قد جعلت وأدهم للبنات مترتباً على عقيدتهم هذه (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون، وإذا بشر أحدهم بالأنثى الخ) ولا يستقيم هذا إلا إذا كان الغرض من البنات الإناث من بني آدم لا الملائكة.
حقاً انهم كانوا يعتقدون أن الملائكة إناث وأنهم كانوا ينسبونهم لله ويعتقدون أنهم أولاده، كما يصرح بذلك كثير من الآيات؛ ولكن هذا لا يتعارض مع ما ذهبنا إليه من أنهم كانوا ينسبون البنات من بني آدم لله تعالى، بل يزيده تأييداً كما أشرت إلى ذلك في مقالي السابق. وذلك أن القسمة الضيزى التي أجروها في عالم الأرض ونسبوا فيها لله تعالى الإناث ولآلهتهم الذكور، قد أجروا مثلها في عالم السماء، فكانوا ينسبون لله تعالى من هذا العالم كل ما يعتقدون أنه من نوع الإناث. ومن أجل ذلك نسبوا إليه الملائكة لاعتقادهم انهم من هذا النوع. ولذلك جاءت عقيدتهم بصدد الملائكة في معظم الآيات التي أوردناها في المقال السابق مصاحبة لعقيدتهم بصدد الأولاد من الآدميين. وذلك يدل على انهما عقيدتان مرتبطة كلتاهما بالأخرى ومترتبة عليها:(فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون؟ أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون؟ (أفرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ألكم الذكر وله الأنثى؟ تلك إذن قسمة ضيزى. . . إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى). فالقرآن في هذه الآيات يحدثنا عن حقيقتين لا عن حقيقة واحدة: إحداهما ما يعتقدونه بصدد الذكور والإناث من الآدميين؛ وثانيتهما ما يعتقدونه بصدد الملائكة.
٤ - وأما نسبة الذكور لآلهتهم أو لأنفسهم فهذا لا يهم كثيراً في موضوعنا، ولا يؤثر شيئاً في النظرية التي أوردتها؛ لأن المهم أنهم كانوا ينسبون الإناث لله وانهم لذلك كانوا يئدونهن؛ وسواء لدينا بعد ذلك أن كانوا ينسبون الذكور لأنفسهم أو لألهتهم. على أن ما ذكرناه في المقال السابق بصدد الذكور تحتمله آية النحل، وخاصة لأن الضمير في الآية