وكان منهم اليهود، وهؤلاء كانوا ينتمون إلى عدة قبائل يسكن معظمها المدينة وضواحيها وشمال الحجاز (بنو قريظة، بنو النضير. . . الخ) وكان منهم المسيحيون، وهؤلاء كانوا فرقاً كثيرة تنتمي إلى مختلف مذاهب المسيحية المنتشرة في ذلك العصر، وكان منهم عبدة الكواكب، فكنانة كانت تدين للقمر وللدبران، وبنو لخم وجرهم كانوا يسجدون للمشتري، وبنو طبئ ألهوا سهيلا، وبنو قيس بن عبلان توجهوا للشعري اليمانية (وهم الذين قد سفه الله عقائدهم إذ يقول عز وجل: (وأنه هو رب الشعري). . . وهلم جراً، وكان منهم الدهريون الذين لا يؤمنون بإله وينسبون كل شيء للطبيعة:(أن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) وكان منهم الوثنيون عباد الأصنام، وهؤلاء كانوا فرقاً كثيرة تختلف كل فرقة منها عن غيرها اختلافاً كبيراً في نوع الأوثان، ونظرتها إليها، ومبلغ تقديسها لها، وعقيدتها في الله تعالى. ففريق من هؤلاء كان يعتقد بوجود الله وينسب إليه الخلق والأمر، وما كان يعبد الأصنام إلا لتشفع له عند الله وتقربه إليه. وفي هذا الفريق جاءت الآية التي أوردها الأستاذ وآيات أخرى كثيرة (ألا الله الدين الخالص، والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)؛ (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله. . . الخ). وفريق من الوثنيين كان ينسب الخير لأصنامه والشر لله تعالى. فكان الله في نظرهم إليه الشر أو ما يشبه الشيطان في نظرنا، (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً). ولذلك كانوا ينسبون إليه ما يكرهون. وفي هؤلاء يقول الله تعالى:(ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى)(النحل ٦٢). والقبائل التي كانت تئد بناتها كانت من هذا الفريق، لأن الآية السابقة جاءت في سياق الحديث عمن كانوا يئدون البنات. وغنى عن البيان أن من ينسب لله ما يكرهه والدنيء من الأشياء لا يمكن أن يكون ممن يعتقدون أنه تعالى خالق كل شيء. فالآية التي أوردها الأستاذ عبد المتعال والآيات الأخرى التي من نوعها تتحدث عن فريق من العرب غير الفريق الذي نحن بصدد الكلام عنه.
٣ - تفسير البنات بالملائكة لا يستقيم في معظم الآيات التي أوردتها في مقالي السابق. ففي قوله تعالى:(أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين)؛ وقوله:(أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ألكم الذكر وله الأنثى، تلك إذن قسمة ضيزى)؛ وقوله: (فاستفتهم