وفرق بين هذه الحالة وحالة النسب الذي يخلط الدماء بالدماء ويخرج لنا سلالة لا هي إلى هنا ولا إلى هناك.
والقسم الآخر من التراث الغربي الذي ينتقل إلى الشرق هو القسم الذي لا يمتزج بحياة الشرقيين ولا يدخل لهم في عقل ولا روح. وهذا غريب عنهم وهم غريبون عنه. وحكمهم فيه حكم المتفرج العابر الذي يمر به وكلاهما باق حيث كان: هؤلاء شرقيون وذلك تراث غربي لا يدخل في عوامل النضج العقلي أو في عوامل التكوين، سواء رجعنا فيها إلى الأفراد أو إلى الشعوب.
ومعنى هذا أن الحياة العقلية إذا نضجت بين الشرقيين فهي شرقية لاحقة بالتراث الشرقي، أيا كان المصدر الذي جاءت منه أو حملت عنوانه، ولا يصح أن تنسب إلى غير الشرق إلا كما يصح أن تنسب دماؤنا إلى استراليا وأمريكا لأننا نأكل القمح الأسترالي والفاكهة الأمريكية في بعض الأوقات.
وعلى أية حال ليس لنا مناص من إحدى اثنتين: إما أن نقرر أن الشرق خلا من الحياة العقلية الناضجة في جميع العصور وهو مخالف للمعقول ومخالف لإجماع الآراء؛ وإما أن نقرر أن الشرق قد عرف الحياة العقلية الناضجة ولو في عصر واحد من عصوره، وهذا في لبابه مرادف لقولنا: إن التراث الشرقي كافٍ لنضج الحياة العقلية بين الشرقيين.