للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصريحة. على حين أن اللغة العربية بعد الإسلام تتلمس أحسن الحيل وأدناها إلى الحشمة والأدب في التعبير عن هذه الشؤون، فتلجأ إلى المجاز في اللفظ وتستبدل الكناية بصريح القول: القبل، الدبر، قارب النساء، لمس امرأته، قضى حاجته. . . الخ، ولقد كان لها بهذا الصدد في ألفاظ القرآن الكريم وعباراته أسوة حسنة: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)؛ (واهجروهن في المضاجع)؛ (لمستم النساء)؛ (وقد أفضى بعضكم إلى بعض)؛ (فاعتزلوا النساء في المحيض)؛ (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة مؤمنة من قبل أن يتماسا). . . وما إلى ذلك من كريم العبارات ونبيل الألفاظ. وما يبدوا في اللغة العربية بهذا الصدد يبدو مثله في اللغات الأوربية الحديثة وخاصةً الشمالية منها، وأكثرها تحرجاً في هذه الناحية اللغة الإنجليزية، فالبطن مثلاً لا يعبر عنه باسمه الصريح بل يطلق عليه في الغالب (أي المعدة) وسراويل الرجل يطلق عليها (أي لا يمكن التعبير عنه)؛ وسراويل المرأة تطلق عليها كلمة معناها الأصلي (الجمع أو التركيب). . وهلم جراً.

وخصائص الأمة العقلية ومميزاتها في الإدراك والوجدان والنزوع، ومدى ثقافتها ومستوى تفكيرها ومنهجه، وتفسيرها لظواهر الكون، وفهمها لما وراء الطبيعة - كل ذلك وما إليه ينبعث كذلك صداه في لغتها. ففي الأمم الأولية الضعيفة التفكير، المنحطة المدارك، تغزر الكلمات الدالة على المحسات والأمور الجزئية، وتنعدم أو تقل الألفاظ الدالة على المعاني الكلية، وتخلو دلالة المفردات من الدقة والضبط، فيكثر فيها الخلط واللبس والإبهام، وتعرو القواعد أو تكاد تعروا من ظواهر التصريف والاشتقاق وربط عناصر الجملة والعبارة بعضها ببعض، ويضيق متن اللغة فلا يتسع لأكثر من ضروريات الحياة. ومن هذا القبيل الشعوب الصينية: فلغاتها أولية ساذجة في نواحي الألفاظ والدلالة والقواعد، تكفي للتعبير عن ضروريات الحياة، وشئون الصناعة اليدوية، والأدب السهل، والتأمل الضحل؛ ولكنها لا تتسع لعلم ولا لفلسفة ولا لدين بالمعنى الصحيح لهذه الكلمات، حتى إنه لا يوجد فيها اسم للإله؛ ويعبر فيها عن مسائل ما وراء الطبيعة بعبارات ملتوية مبهمة مضطربة الدلالة في أذهان أهلها أنفسهم.

وفي الشعوب السامية القديمة، إذ كان يسود التفكير الديني، وتفسر شؤون الحياة تفسيراً

<<  <  ج:
ص:  >  >>