أنت كالكلب في حفاظك للعه ... د وكالتيس في قراع الخطوب
قد استطاعت قريحته بعد أن هذبتها حضارة بغداد أن تجود بمثل قوله:
عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وما يحدث بين حضارة الأمة ولغتها من توافق وانسجام، يحدث مثله بين لغتها ومظاهر بيئتها الجغرافية. فجميع خصائص الإقليم الطبيعية تنطبع في لغة سكانه. ومن أجل ذلك نشأت فروق كبيرة في مختلف مظاهر اللغة بين سكان المناطق الجبلية وسكان الصحراء وسكان الأودية؛ وبين سكان المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية. ومن ثم كذلك نشأت فروق غير يسيرة بين أفراد الفصيلة اللغوية الواحدة، بل بين لهجات اللغة الواحدة.
ففي كل لغة من لغات الفصيلة السامية مثلاً، تتمثل حالة البيئة التي سكنها الناطقون بها. فالآرامية التي نشأت في الشمال جافة الألفاظ قليلة المفردات، ثقيلة التراكيب، مضطربة القواعد، لا تكاد تواتي الأساليب الشعرية الراقية. والعربية التي نشأت في الجنوب أعذب اللغات السامية ألفاظاً، وأغناها مفردات، وأدقها قواعد، وأكثرها مرونة واتساعاً لمختلف فنون القول. والعبرية التي نشأت في منطقة متوسطة بين هاتين المنطقتين تمثل في رقيها منزلة بين منزلتي الآرامية والعربية؛ فقد فاقت الأولى ولكنها قصرت عن أن تدرك شأو الثانية، فألفاظها وأساليبها تتسع لكثير من مناحي القول؛ ولكن العربية تفوقها في مرونة التعبير والترف اللغوي وسعة الثروة في المفردات، وقواعدها سهلة مضبوطة، ولكنها لا تبلغ في دقتها وتنوعها مبلغ قواعد اللغة العربية. وتظهر هذه الفروق حتى من ناحية الأصوات، فالآرامية حوشية الأصوات، صعبة النطق، تتلقى في كلماتها المقاطع المتنافرة والحروف الساكنة؛ والعربية عذبة الأصوات سهلة النطق خفيفة الوقع على السمع، تقل في كلماتها الحروف غير المتحركة، ولا يكاد يجتمع في مفرداتها ولا في تراكيبها مقاطع متنافرة، ولا يلتقي في ألفاظها ساكنان. والعبرية وسط بين هذه وتلك: فهي لم تصل في سهولة اللفظ إلى درجة العربية ولا في صعوبته إلى درجة الآرامية؛ يتخلل كلماتها حروف المد في نطاق أوسع من الآرامية، وبدرجة تذلّل كثيراً من ظواهر الصعوبة في النطق، ولكن بدون أن تصل في هذه الناحية إلى الشأو الذي وصلت إليه لغت القرآن.
ولهذا السبب نفسه اختلفت اللهجات الإغريقية القديمة. فعلى الرغم من أن بلاد الإغريق