السفين الكثير من العلماء والأطباء كي يشاهدوا هذه الحالة الشاذة عن قرب ويتبادلوا الآراء، والتعليلات الممكنة، وجاء على لسان بعضهم مرض البري بري الذي سبق ذكره وتعليل أثره في السطو على الأعصاب بكائنات صغيرة حية، وهكذا تضاربت الآراء واختلفت الأفكار حول إمكان انتشار هذا المرض بالعدوى أو غيرها. ولم يهتد طبيب أو مفكر إلى أي نتيجة تفيد الموقف، لأنه ما من أحد حتى هذه السنة كان ليهديه التفكير إلى أنه قد ينقص الغذاء الكثير المتنوع تلك المركبات الدقيقة اللازمة لإتمام عمليات التفاعل الكيميائي في الجسم
كان أسبق الناس في التفكير والتطلع إلى هذا النحو الجديد الفسيولوجي الإنجليزي إذ ذكر في محاضرة له في مؤتمر الطب العالمي الذي عقد في لندن في عام ١٩١٣ نتائج تجارب غذائية قام بها في كمبردج على الفيران، وكان قد قدم لها غذاء خاصاً يحتوي عل جميع المواد اللازمة التي يقرها علم التغذية من مواد زلالية ودهنية ونشوية ومعدنية مضبوطة وفي شكل واحد، وبالرغم من هذا نفقت الحيوانات في وقت قصير
ولقد جاءت آراء هوبكنز هذه سابقة لأوانها لأن الأذهان لم تكن لتلفقه وتعي بعد ارتباط تلك التجارب الغذائية بتلكم المواد التي ما زالت مجهولة. ولم تجد زيارات الأطباء والعلماء المرضى نفعاً، وعجز الجميع عن تقديم أية مساعدة فعالة تقي هؤلاء البحارة مصرعهم البطيء المؤلم. وفق بعدئذ الكيميائي النيويوركي ألفرد ماك كان في تتبع آثار النكبة التي حلت برجال الباخرة. وساعده على ذلك قراءة ما تركه هوبكنز عن اختباراته، وبفضل اختباراته الشخصية ودراساته لعلم التغذية ظهر له ما قد ينقصه غذاء هؤلاء المرضى ويقض مضاجعهم. وبمجهود أمكنه الاتصال بطبيب الباخرة، ودعا طاهيها إلى الحديث، فظهر له بالتحري والسؤال انه برغم توفر اللحوم المحفوظة والدقيق ولبن العلب والخضراوات الجافة لم يحصل البحارة المنكودون على فواكه طازجة ولم يتذوقوا خضراً نيئة، عندئذ صاح مظفراً وقال مخاطباً طبيب الباخرة الذي وقف مشدوهاً: لقد سلبت القوة الحيوية الطبيعية من جميع أنواع الغذاء الذي قدم لهؤلاء البحارة التعساء، فاللحوم المجففة والبطاطس قد فقدت أملاحها الفسفورية عند تحضيرها للتعبئة ومعالجتها بماء الأملاح الحمضية لحفظها، كما فقدت الخضراوات قوتها الحيوية بمعالجتها بالقواعد، كما فصل