استطاع أن يضلني؟
وهل ترجع أيامنا بجريدة البلاغ وكنا شبابنا نضطرم بجذوة الحرية العقلية؟
كنا نجلس في مكتب واحد وجهاً إلى وجه نتساقى حلو الأحاديث ومر المقالات
وهل فر الأستاذ سلامة موسى من وجه ناقد كما فر من وجهي؟
ومع ذلك كان هذا الرجل أول من يتقدم لنصرتي في أيام الشدائد، لأن سلامة رجل والرجال قليل
إليَّ يا صديقي، فما يستطيع الخلاف في الرأي أن يفسد ما بيني وبينك، لأن الصداقة رأي يفوق جميع الآراء، ونحن أولياء الصداقة في هذا الجيل المرتاب.
التاريخ المصري القديم
كنت قلت في العدد الصريح الذي أخرجته مجلة (الاثنين): إن الأستاذ عبد القادر حمزة باشا إمام من أئمة العقل، ولكنه لا يجيد إلا حين يغضب، وقد قلت غضباته منذ عامين
كذلك قلت، ولم أكن أعرف أن عبد القادر باشا سكت عامين ليستعد لإخراج كتابه النفيس (على هامش التاريخ المصري القديم)
فما هذا الكتاب؟
هو تحفة من تحف المنطق والعقل والذوق
هو سلسلة ذهبية تربط حاضر مصر بماضيها في ترافق وتلطف، وتروض المصري على الاقتناع بأنه نشأ في بلد كان المصدر الأصيل لجميع المدنيات
كان ابن العميد يقول: كتب الجاحظ تعلم العقل أولاً والأدب ثانياً
وكذلك أقول في كتاب عبد القادر حمزة أو كتب عبد القادر حمزة، لأنه له أبحاثاً تاريخية سبقت كتابه الجديد، وهي نماذج حية لقوة الأدب وسيطرة العقل
لا تجد في هذا الكتاب عبارة تشعرك بأن المؤلف يعتسف في تفسير النصوص، أو يحاول إعطاء مصر ما ليست له بأهل، وإنما تشعر بأنه باحث صادق يحاول تبيين ما لمصر من مزايا ذاتية بلا تزبد ولا إسراف
ويظهر من كتاب عبد القادر باشا أن المؤرخين متفقون على أن مصر هي مهد المدنية في التاريخ، وأن هناك آراء في المفاضلة بينها وبين وطن الكلدان الذين كانوا يسكنون أحواض