والهندسة والتنجيم والتاليف (يقصد تأليف النسب الموسيقية)
وكانوا يحتاطون ما امكنهم الاحتياط في اختيار الأعضاء الجدد: فلم يكن يسمح لأحد بالدخول في هذه الجمعية الا إذا كان ناصع الصحيفة لا غبار على أخلاقة ولا ريبة في سلوكه، وكانت اجتماعاتهم تعقد سراً في بيت رئيسهم زيد بن رفاعة.
أما غاية أخوان الصفا فيلخصها ابو حيان التوحيدي بقوله: - (وكانت هذه العصابة قد تألفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهباً زعموا انهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله. وزعموا انه متى انتظمت الفلسفة الاجتهادية اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال)
هذا هو ظاهر الغرض من تأليف هذه الجمعية والدعاية لها ولكننا نعتقد ان وراء هذا الغرض اغراضاً أخرى نحن مبينوها فيما بعد في فصل خاص
أما تأثير هذه الجمعية فقد اقتصر بوجه عام على العامة وأشباه العامة. والظاهر أن أخوان الصفا لم يكونوا يطمعون في أكثر من ذلك. وهم - لذلك - قد وضعوا رسائلهم بلغة بسيطة سهلة بعيدة عن الاعتياص والغموض اللذين يرافقان عادة الكتابات الفلسفية، ومما توسلوا به لتقريب مذهبهم إلى افهام الجمهور اكثارهم من ضرب الأمثال وسرد الحكايات. فكان ذلك كله مقروناً إلى بساطة التعبير وجلاء العبارة، داعياً إلى تهافت العامة على دراستها وان جاء ذلك بعد حين من تأليفها. أما الطبقات الراقية فلم تر في هذه الرسائل ما يروي الغلة أو يملأ الفراغ الذي كان تحسه النفوس إلى الفلسفة في جميع فروعها أنئذ، واليك ما يصفها به أحد المعاصرين وهو أبو سليمان المنطقي قال: -
(وحشوا هذه الرسائل بالكلمات الدينية والامثال الشرعية والحروف المحتملة والطرق المموهة. وهي مبثوثة من كل فن بلا أشباع ولا كفاية. وفيها خرافات وتلفيقات، فنصبوا ما أغنوا، وغنوا وما أطربوا، ونسجوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفوا. وبالجملة فهي مقالات مشوقات غير مستقصاة ولا ظاهرة الأدلة والاحتجاج)(تاريخ مختصر الدول لأبي الفرج ص: ٣٠٩)
ورأى الغزالي في هذه الرسائل لا يخرج عن معنى ما تقدم فهو يقول: -
(. . . فلو فتحنا هذا الباب وتطرقنا إلى أن يهجر كل حق سبق اليه خاطر مبطل لزمنا أن