تكونه العقلي. كان في العاشرة من عمره عندما حدثت في النمسا - وطنه الأول - فاجعة دينية يظن أن أثرها كان قوياً في خياله الطفلي وأن صورتها ظلت منقوشة في ذاكرته، وعلى الأخص لأن أستاذه اشترك فيها كما يغلب على الظن ولقد ذكرها دون ريب لما دخل فينا التي فتحها، وبراغ التي غلبها وأذلها. ولقد اطلعت على فصل جيد واف مكتوب بقلم جورج غويو عن الحياة الألمانية العقلية يكشف لنا عن هذه الناحية:
صدر في نيسان علم ١٨٩٧ أمر الإمبراطور فرانسوا جوزيف باعتبار اللغة التشيكية في المحاكم والدوائر والكنائس لغة رسمية، وكانت اللغة الألمانية قبل صدور هذا الأمر هي اللغة الرسمية السائدة فثارت ثائرة الشعب، وقامت ثورة مسلحة كان أبطالها جرمانيو النمسا الذين ألقوا المسئولية على عاتق الكنيسة الكاثوليكية. وكتب أحد المحرضين إذ ذاك ويدعى شونيرير يوم ١٦ نوفمبر عام ١٨٩٨ يقول:
(ألا فلنحطم القيود التي تربطنا بكنيسة معادية لألمانيا، لا نريد أن يسود التفكير المسيحي الأرض الألمانية. إن التفكير الجرماني هو وحده صاحب الحق بالسيادة فيها)
ومذ ذلك الحين بدت نظرية التوسع الجرماني في النمسا، بشكل جديد: أنت بروتستانتي. . . معنى هذا أنك ألماني، وكان يذهب المتطرفون إلى أبعد من هذا، حتى أن صحيفة شونيرير راحت تنادي صائحة:(لقد مررنا بفلسطين كما مررنا بروما لنشيد فيهل قبة الجرمانية) وراح شونيرير يهيب بمواطنيه إلى رفض قبول الدين المسيحي والعودة إلى حظيرة الوطنية الحق قائلاً: (يجب على كل فرد من مواطني أن يكون وطنياً ألمانياً لا بروتستانتياً مسيحياً. وسيؤرخ العصر الحديث منذ الآن موقعة (نوريا) بين الرومان والتوتيين قبل المسيح بمائة وثلاث عشرة سنة. ثم يقول جورج غويو: (يقول تاريخ ألمانيا الوطني بالحرف الواحد: إن اليوم الذي أدخل فيه القديس بونيفاس الدين المسيحي إلى ألمانية كان يوم حداد على جرمانية؛ وإن الأخلاق الألمانية الوطنية تعلمنا أن العقيدة الاسكندنافية القديمة التي تأمر بمقابلة اللطمة بلطمة مثلها كانت أرفع وأشرف من العقيدة المسيحية التي تذل الإنسان وتفسد خلقه عندما تأمره بتقديم خده الأيسر؛ وإن التربية الألمانية الوطنية التي تتخذ من الأبطال الجرمانيين القدامى مثلاً أعلى لها يجب احتذاؤه لا تفتأ تفخر بأسلوبها في التربية حتى يكاد يعتقد الإنسان إنها توافق طبيعته. وتفضل هذه