سوء الحظ تحت يدها أحراراً مستقلين. فإذا بالزمن يدور دورته، وإذا بألمانيا تطالب بالمستعمرات، وتضع لاستعمارها أسساً (نازية) قوامها احتقار السلالات الملونة، ومنع تعليمها، وعدم السماح بالاختلاط معها؛ وإذا بإيطاليا تنقض على الأمم الضعيفة هنا وهناك، وإذا بتاج الحبشة وتاج ألبانيا يوضعان على رأس (الإمبراطور الجديد) محي مجد روما البائدة.
لقد كان من الممكن أيها الإيطاليون والألمانيون أن تحتلوا قلوب المسلمين لو لم تسيروا سيرة الفرنسيين والإنكليز والأميركان؛ أما وقد سرتم سيرتهم فلا مناص للعالم الإسلامي أن يناصب استعماركم العداء كما ناصب العداء استعمار غيركم من الدول الأخرى وثقوا جميعاً أنه (لا صداقة للإسلام مع الاستعمار).
أكثرت مذاييع السلطات الغربية في بلادها، وفي بلاد الإسلام المبتلاة بها من الدعايات المتعارضة لقصد التأثير على المسلمين. وقد أخذ كل منها يذكر عيوب الآخر وينشر محاسن نفسه. فمذياع إيطاليا يذكر عيوب فرنسا ويستدل عليه بمقالات الوطنيين المغاربة؛ ومذاييع فرنسا تذكر عيوب إيطاليا وتستدل عليها بمقالات المسلمين المدافعين عن حقوق الطرابلسيين والألبانيين والاحباش؛ ومذاييع إنكلترا تذكر عيوب خصومها، وكذلك مذاييع ألمانيا، والغريب أن كبار الساسة - تحت ضغط القلق الدولي - فقدوا التوازن في أعصابهم، واصبحوا يشجعون كثيراً من الأعمال الصبيانية التي لا نتيجة لها مطلقاً. ذلك أن المسلمين قد استيقظوا أو أفاقوا، وأصبحوا يعرفون من الغربيين المسيطرين على ما لا يعرفونه هم عن أنفسهم. وإذا كانوا ينصتون إلى هذه المذاييع فليس ذلك ليتأثروا بدعاية خاصة ويصبحوا في صف خاص، وإنما ليتمموا معلوماتهم عن الاستعمار الغربي بمختلف ألوانه وأشكاله. فلا إيطاليا بالغت فيما تدعيه على فرنسا، ولا فرنسا كذبت فيما تدعيه على إيطاليا مثلاً؛ وإنما الجميع سواسية في الإساءة إلى الإسلام واستعباد المسلمين، وجميع المذاييع الغربية المتعارضة تعتبر صادقة في نظر العالم الإسلامي اليوم.
وإذا كانت الدول الكبرى تتناطح على استرضاء المسلمين ليكونوا في صفها يوم الكريهة المنتظر فإنما ذلك لأنهم في حقيقة الأمر قوة دولية كبرى يجب أن يحسب لها حسابها في مستقبل البشرية وتحديد مصيرها القريب، والواجب يقضي عليهم أن يعرفوا قيمتهم