الجنة التي عرضها السموات والأرض (أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس) وأن النار عقبى الظالمين. ويستنتجون من هذه الحقائق الدينية وأمثالها أن المرء يجب أن يكون خيّراً في كل أعماله، وأن ينأى دائماً عن الشر وبذلك يصل للكمال الأخلاقي. والخير والشر هنا ما جاءت به الكتب السماوية
استنتاج منطقي حسن من الناحية العملية؛ إلا إنه ليس له القيمة التي تؤتى ثمرها الخلقي إلا لدى المؤمنين بالله والدار الأخرى والثواب والعقاب وبهذا أو ذاك من الكتب المقدسة. فكيف العمل بمن لا يؤمن بإله أو رسول، أو بمن يؤمن بالإنجيل دون التوراة، أو بالعكس، أو بهذين دون القرآن الكريم؟ إذن ليس من الممكن بهذا الطريق أن نصل لتحديد قانون أخلاقي يرضاه الناس جميعاً على ما بينهم من خلف في الأديان والمعتقدات (فضلاً عن هذا فالرباط الذي يكون بين هذه العقائد الدينية والأفكار والآراء والمبادئ الخلقية التي يربطونها بها يكون غالباً واهياً متداعياً، فلا يكون الاستنتاج قوياً له قيمته وخطره)
وهاهو ذا العلامة (جوستاف بيلو يقول عن هذه المسألة (من الناحية المسيحية طبعاً): (ليفتح من يشاء أي كتاب من كتب العقائد الدينية: وحينئذ ماذا يجد. يجد أن الجانب الأكبر منه مشحون بالنظريات الخاصة بالله وقدرته وصفاته وأن الأخلاق تجيء في المركز الثانوي منه، وأنه من الواجب أن نكره الطفل على أن يفهم ويقبل نظاماً من الاعتقادات الدينية دون أن نعني بالتساؤل عما إذا كان في مقدوره فهمها! إن رجال الدين يجأرون بالشكوى من تزعزع الأخلاق وتدهورها من يوم لآخر لأن الإيمان يتزلزل من آونة لأخرى. لو أن هذا كان صحيحاً فعلى من تقع التبعة والمسؤولية؟ أليس على هؤلاء الذين يعملون دائماً على تفهيم الأطفال أن الأخلاق تتعلق دائماً بالدين والعقائد الدينية؟ مع أنه ليس في مقدورهم حماية هذه الاعتقادات من حملات الشك ومعاركه التي تنشب من حين لآخر. إنه مما يتفق مع حقائق الأشياء كما يتفق مع الحقائق العملية أن يرد للأخلاق استقلالها)
ينقد هذان الأستاذان الباحثين في الأخلاق من المسيحيين، وقد أصابا في كثير مما نقداه. إن الديانة المسيحية أعلنت في مبدأ أمدها الحرب الضروس على الفلسفة الإغريقية معلنة أن الأخلاق ليس لها أن ترجع في معينها للعقل والنظر، ولا أن تُترك للفلاسفة الذين هم بشر