للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونمضي في السيارة على غير هدى في صحبة الطبيب النبيل الذي ينقلنا إلى مضارب بني تميم؛ ثم نتلفت فجأة فنرى نحو عشرين سيارة تتعقبنا فنعرف أننا ضللنا مع أننا في رحاب عقرقوف الذي خلد اسمه أبو نؤاس في رحلته إلى مصر، مصر التي فيها الزمالك ومصر الجديدة وحلوان، والتي تسدل ستائرها على الجدائل المعطرة التي تشعثت بعد رحيلي إلى العراق

رباه! إنك تعلم أن الظلام في مصر الجديدة أندى وأطيب من النور الوهاج، فمتى ترجعني إليه!

ونصل إلى مضارب بني تميم فنرى أفواجاً من الفرسان ينتظروننا على طول الطريق وهم يحيوننا بأناشيد كلها رفق وحنان. وفي زحمة الاحتفال يجئ طبيب نبيل فيدعوني للتسليم على سيدتين كريمتين، لا اذكر اسمهما تأدباً، ولو شئت لقلت انهما من النفحات الربانية، وقد رحلت الأولى إلى القاهرة وبقيت الثانية في بغداد. فإليهما أقدم تحيتي وثنائي، والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف. ويمد السماط، أو السماطان، أو الأسمطة، كما يشاء كرم الشيخ حسن سهيل ثم يشيع بين الجمهور أن رجلاً غرق في المرق، فيصيح الطفل الجميل الذي اسمه عمر: بابا، بابا، أحب أن اطمئن على الدكتور زكي مبارك. فيقول سعادة وزير مصر المفوض في العراق: اطمئن يا بني، فان الدكتور مبارك من كبار السابحين!

ويقف عميد بني تميم ليخطب فيشتد التصفيق؛ ويقف الشيخ السكندري ليخطب فيشتد الهتاف؛ ثم يقول صديق كريم بصوت جهوري: الدكتور زكي مبارك يلقي كلمة العراق، فيتلفت وزير المعارف قائلا: ماذا؟ ماذا؟ فيجيب الصديق الكريم: الدكتور زكي مبارك يخطب باسم العراق: فيقول معالي الوزير: نعم، نعم، من حق الدكتور زكي مبارك أن يخطب باسم العراق وألقى خطبة رنانة أشكر فيها إخواني المصريين وأقول إن حياتي طابت في العراق وإنني لا أحب الرجوع إلى مصر، فأرى دموع الشيخ السكندري تنحدر واسمعه يقول: وهل نسيت سنتريس؟!

فأقول بصوت صاخب: ونسيت سنتريس! ومن واجبي أن أسجل في هذه المذكرات أني لم أر في حياتي أياماً أطيب من أيام العراق. وسأظل من أنصار العراق فيما بقي من حياتي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>