بل إن الفيلسوف والمربي عالجا الموضوع بنفس الروح. فلقد اهتم بهذه الناحية نفر من أشهر مفكري الإسلام مثل ابن سينا والغزالي والعبدري وابن خلدون. وسنشير إلى بعض آرائهم تسجيلاً لناحية من نواحي الرقي والوجداني الذي تمتاز به الحضارة الإسلامية عما سبقها من الحضارات كالحضارتين الإغريقية والرومانية
فابن سينا يجعل أساس التربية مراعاة ميول الأطفال واستعدادهم، حتى لا يرهق الأطفال بأعمال يصعب عليهم أداؤها لأنها لا تجري مع رغباتهم. وعلى ذلك فابن سينا يحترم الميول مهما كانت متواضعة. كذلك عالج هذا الفيلسوف مشاكل التأديب بطريقة يتجلى فيها الحزم الممزوج بالرفق، فرأى أن يجنب الصبي معايب الأخلاق بالترهيب والترغيب، والإيناس والإيحاش، الإعراض والإقبال، وبالحمد مرة وبالتوبيخ مرة أخرى، ما كان كافياً؛ فإن احتاج للاستعانة باليد لم يحجم عنها. وليكن أول الضرب قليلاً موجعاً كما أشار به الحكماء من قبل، بعد الإرهاب وبعد إعداد الشفعاء. وهكذا لا يجعل ابن سينا القسوة والضرب أول وسيلة للتأديب، بل هو لا يلجأ إلى الضرب إلا إذا فشلت الوسائل الأخرى ولقد حدد علماء المسلمين عدد الضربات التي توقع على الطفل بثلاث، كما عينوا المواضع التي يحدث فيها الضرب حتى لا يتعرض الطفل للأذى
والغزالي الذي يعتبر حجة الإسلام، والذي كان لآرائه أكبر الأثر في تفكير المسلمين في العصور التالية، يتكلم عن الطفولة بعطف ورقة لا حد لهما. فهو يصف الطفل بأنه (أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة. . .) ومن ثم يجب على ولي أمر الطفل أن يقوم بإرشاده بأمانة وإخلاص. وهو يوجب مراعاة شعور الطفل فيقول:(إن الطفل المستحي لا ينبغي أن يهمل، بل يستعان على تأديبه بحيائه وتمييزه)، كما يرى:(ألا يؤخذ الطفل بأول هفوة، بل يتغافل عنه ولا يهتك سره، ولاسيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه)؛ كما ينصح للمربي:(أن ينظر في مرض المريض وفي حال سنه ومزاجه وما تحتمله نفسه من الرياضة ويبني على ذلك رياضته)
والعبدري الذي عاش بمصر في القرن الثامن للهجرة يحمل حملة شعواء في كتابه (مدخل الشرع الشريف) على مؤدبي عصره، وينعى على أولياء أمور الأطفال أنهم يقسون على الصبيان فيضربونهم بعصا اللوز اليابس وبالجريد. ويصر على أن يأخذ المعلم الأطفال