وكيفيته وأسبابه؛ ولكنه يحل ذلك بشرح مبتكر، فيقول:(إنني أرى أن الروح لا تؤثر في الجسد والجسد لا يؤثر فيها، فمن الذي يؤثر إذن. . .؟ لا شك أن الإله وحده هو الذي يؤثر. مثال ذلك: عندما تحترق يدي فلا تستطيع نفسي أن تحدث في الألم بل الإله هو وحده الذي يحدث فيَّ الألم). فمن ذلك ترى أن (ديكارت) و (ماليبرانش) قد فتحا في حل مسألة الروح فتحاً جديداً؛ فهما بتعليلهما هذا يقرَّان بالعجز عن إدراك حقيقة اتحاد الروح بالجسد. وليس هذا إلا رضوخاً للحق واعترافاً بالواقع؛ فيجب عدم الاكتراث باعتراضات بعض الفلاسفة المتعنتين أو الملحدين عن الأصح، فهم يقولون:(يؤخذ على ديكارت إسناده كل فعل إلى الإله، وتوقفه على إرادته ومعونته؛ فبذلك يحذف كل فاعلية للجوهر اللامتناهي، ويجعل الإله كعامل من العمال غير كامل لأنه صنع آله لا تمشي إلا إذا كان هو موجوداً فيها)
فمناقشة هذا الاعتراض تتلخص بقولنا: ليس هذا الاعتراض إلا كلمة حق أُريد بها باطل. ولنفرض أن للجوهر فاعلية، فمن أوجد هذه الفاعلية؟ ومن أوجد الجوهر؟ ومن هو مرتِّب ومنسق هذا النظام في عالم الكون والفساد. . .؟ هل يستطيع هؤلاء المعارضون المنكرون للقوة الإلهية أن يجيبوا على هذه الأسئلة بأن المؤثر والفاعل الأول لذلك هو غير الله عز وجل؟ هبهم أجابوا بذلك وقالوا: إن الطبيعة هي الفاعلة، فما هي هذه الطبيعة ومِمَّ تتركب؟ وما هو مبلغ قوتها واقتدارها؟. لاشك أنهم يقفون حيارى تجاه هذا الأمر ولا يسعهم إلا الرجوع إلى القدرة الإلهية. .
ولقد وضع (سببنوزا نظرية جعل فيها الامتداد والفكر جوهراً واحداً وقال إنه جوهر الإله؛ بل قال إن كل الجواهر كالروح والجسد هي أعراضٌ لجوهر الإله. فهذه النظرية تسمى بالنظرية الحلولية فهو ينتقل من مذهب التثنية إلى مذهب حلوليٍ واحدٍ مُوحَدٍ لجميع الجواهر. وخلاصة هذا المذهب هي: لا يوجد غير الإله؛ وكل ما نراه هو أعراضٌ وصفاتٌ له؛ فالجواهر إذن هي لا نهاية في لا نهاية؛ ولكننا لا نعرف منها إلا صفتين فقط وهما: الامتداد والفكر لننظر إلى العالم المحسوس فنرى لوناً وصوتاً وحركة، وكل هذه هي عبارة عن أحوالٍ وهي متناهية، إلا أن عددها غير متناهٍ، فالفكر صفة الإله وأحواله غير المتناهية كالرغائب والذكريات. . . فأحوال الامتداد الإلهي هي الأجسام؛ وأحوال الفكر