الطريقة المتبعة اليوم في أكثر البلدان الإسلامية مؤدية إلى الفوضى الظاهرة والنتائج الغريبة المضحكة؟ ألم تمر سنوات ثبت فيها رمضان في بعض البلدان الإسلامية السبت، وفي غيرها الأحد، وفي أخرى الاثنين. . . إلى الأربعاء فاختلف ابتداء رمضان، من السبت إلى الأربعاء، وهو يبدأ في الواقع في يوم واحد؟ ألا يبدو هذا مخالفاً لجوهر الدين؟
أنا لا أدعو إلى بدعة جديدة، فقد تكلم الفقهاء في هذه المسألة، فمن فقهاء الحنفية من قال بأن رؤية الهلال في قطر توجب الصيام على الجميع، فلماذا لا نتخذ مرصداً منتظماً في إحدى البلدان الإسلامية، ثم تذاع نتائج رصده على البلدان الإسلامية كافة فيعمل بها؟ أنكون بذلك مخالفين أو مبتدعين، والفقهاء قد قالوا بهذا؟
ومن فقهاء الشافعية كالقفال والرملي وابن سريج من قال بالأخذ بالحساب، والاعتماد على العلم الثابت، فلماذا لا نأخذ بهذه الأقوال، ونحن في عصر ترقى فيه العلم، وصار يعرف موعد الخسوف مثلاً، بالدقيقة والثانية، ويثبت خبره عياناً، أفلا يعرف موعد ولادة القمر وظهوره؟
إن الاعتماد على الشهادة في رؤية الهلال ينتج أموراً عجيبة، من ذلك أن جماعة من قرية دوما شهدوا عند القاضي بدمشق أنهم رأوا الهلال، وأثبت القاضي رمضان اعتماداً على شهادتهم، فقال عمي الشيخ عبد القادر الطنطاوي (وهو شيخ انتهى إليه الآن علم الفلك الإسلامي في الشام) قال للقاضي: إن هذه الشهادة كاذبة وإن الهلال لا يمكن أن يرى الليلة الثانية، فضلاً عن الأولى. وذهب مع القاضي وجماعة من وجه الشام إلى دوما، وأحضر الشهود، ووقف معهم في المكان الذي زعموا أنهم رأوا منه الهلال في الجهة عينها، والساعة ذاتها، وسألهم: أين الهلال؟ فلم يروا شيئا. ثم قال واحد: هاهو، فقال الجميع: هاهو، فأخرج عمي نظارة مكبرة وأراهم، فإذا الذي رأوا غمامة طولها متران، انقشعت بعد ثوان!
وقد حدث مثل هذا كثيراً. سمعت من مشايخي، ولم أر ذلك في كتاب، أن أنس بن مالك رضي الله عنه شهد عند شريح القاضي أنه رأى الهلال، فقال له: هلم أرنيه يا عم. وذهب معه، فقال: هاهو. فنظر شريح وهو الشاب الحديد البصر، فلم ير شيئاً وأنس يقول: هاهو. . . فنظر شريح فإذا شعرة من حاجب أنس بيضاء متدلية يراها فيحسبها هلالا. . .