إصرارنا سيكون وخيم العاقبة إذا نحن تمادينا في تحدي الطبيعة إلى أبعد من هذا الحد، فخرجنا نتواثب من حفرتنا كجماعة الضفدع دهمها داهم وهي ترتل في مخابئها أناشيد المساء!
ولما نزل بنا الليل كان الهواء الثائر قد سكن، والتراب السافي قد استقر، ولاحت النجوم في السماء زاهية زاهرة. وأشهد أني لم أر السماء طول حياتي كما رأيتها في تلك الليلة. فلقد اعتدنا أن نراها ونحن في المدن من خلال المباني الضاربة في الفضاء، ومن خلال النوافذ الضيقة، فكنا لا نرى إلا قطعاً منها تذهب التجزئة فيها بجمال المجموع. أما في تلك الليلة فقد راقنا أن ننام في العراء فبسطنا فراشنا فوق الرمل وألقينا عليه وسائدنا ثم انطرحنا على ظهرنا واتجهنا بأبصارنا في السماء فراعتنا، وبدت لنا النجوم كما لو كنا لم نرها قط قبل تلك اللحظة. وإني لأذكر الآن كيف أننا جميعاً أصابنا وجوم مشترك أمام عظمة هذا المشهد حتى لقد بقينا فترة لم ينبس فيها واحد منا بحرف. فلما نطق أول متكلم فينا وتحدث بما راعه من منظر السماء اندفعنا جميعاً نكرر معنى واحداً في عبارات مختلفة، وأدركنا أننا في سكوننا كنا تحت تأثير واحد، وأن أحداً منا لم يستطع أن يفلت من جاذبيته!
وفي غداة اليوم التالي تنفسنا مع الصبح جميعاً. ومنا من كانت قد انقضت عليه أعوام وأعوام وهو لا يرى الشمس كل صبح إلا بعد أن ترقى حدود الأفق بزمان طويل. وهببنا من مضاجعنا خفافاً تفيض حركاتنا بالقوة والنشاط، وكانت مفاجأة الصباح التي أعدتها لنا طبيعة المكان أننا أردنا أن نحلق لحانا فامتنعت عن الصابون مياه النبع؛ وعبثاً حاولنا إحداث الرغوة المطلوبة على الرغم من إسرافنا في الدعك والفرك؛ ولم نشأ أن نضحي ببقية مائنا العذب في شؤون زينتنا، فطال ركوعنا على حافة القناة حيث اجتمعنا في شبه (صالون) خشن حقير! وكنا قد أحسسنا في المساء أن ذخيرتنا من الماء كادت أن تنفد، فاحتلنا في الحصول على مدد فلم نجد إلا صفيحتين فارغتين من صفائح البنزين فبعثنا بهما مع خادم ليملأهما من ماء الوادي فعاد بهما إلينا ونحن نتناول طعام الفطور، فكرعنا من مائهما ما كنا في حاجة إليه، فإذا هو في مذاقه أشد نكراً من ماء النبع فهذا فيه طعم الكبريت. أما ذاك فإنه عبق برائحة البنزين والبترول.
وكنت أزمع العودة مع بعض الصحاب في ظهر ذلك اليوم فرأينا أن نقضي الساعة التي