للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سألتها عن فؤادي أين موضعه ... فإنه ضل عني عند مسراها

قالت لدينا قلوب جمة جمعت ... فأيها أنت تعني؟ قلت أشقاها

لقد قرأت الكثير من دواوين الشعر الإنجليزي والفرنسي فلم أجد أجمل ولا أدق تعبيراً من الشعر العربي القديم الذي تقول عنه يا سيدي في كتابكم صفحة ١٩٣: (إنه يشبه القبر المزين بالنقوش وفي جوفه الرمم)

إن التجديد يا سيدي الأستاذ لا يكون في تغيير اللغة وتشويهها، بل في تغيير الأفكار والنزعات والأخلاق. إنه ليؤلمني جداً أن أقرأ لأحد كتابنا النابغين المجدين العصريين قوله: (إن الأدب العربي القديم محتاج إلى زركشة اللفظ وزخرف الكنايات ليسترا عيبه وقبحه)، فهل تعد جمال اللفظ والمعنى زخرفاً؟ وطرافة التورية وبساطتها زركشة؟

فما قولك في قول ابن الفارض:

شربنا على ذكر الحبيب مدامة ... سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم

لها كالبدر كأس وهي شمس يديرها ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وما قولك في الأدب العصري الحديث، كقول الأستاذ عبد الرحمن شكري في قصيدته (البحر):

ألا ليتني لج كلجك زاخر ... أعب كما تهوى النهى والبصائر

خيرك يحكي صدحة الدهر صامتاً ... كأنك دهر بالحوادث مائر

وقوله:

فلعل الحياة كالماء تجري ... بين هذا الثرى وبين السماء

وقول الأستاذ محمود محمد شاكر في قصيدته (حيرة):

أتنهاني عن الجزع الليالي ... وما تنفك تتركني مصابا؟!

فتسلبني الأحبة عن عيان ... وتمنحني بذكرهم عذابا

لذا تجد يا سيدي أن اللغة العربية ليست بقاصرة عن التعبير ووصف حياتنا العصرية. إنني يا أستاذي لست ممن يدين بالرجعية والتمسك بالقديم ولكني في كل ما قرأت من لغات أجنبية لم أجد أجمل ولا أقوى من لغتنا العربية القديمة. وأراك يا سيدي تعيب على العرب وضعهم مائة اسم للأسد ومائتين للجمل كأن لم يكتب العرب شيئاً إلا أسماء الأسد والجمل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>