كانت حفلة التكريم من الحفلات الرائعة التي تجلت فيها العاطفة العربية التي تربط بين الأقطار العربية على اختلاف مواضعها. بدأت الحفلة بكلمة مدير المؤسسة السيد محمد عبد القادر طبارة، شكر بها الزائرين على تلبيتهم الدعوة، وعلل الأسباب التي يكرمون بها الأستاذ أحمد أمين؛ ثم قدم المحاضر إلى منصة الإلقاء، فعالج موضوع الفقر وأسبابه ومعالجتها، فجعله آفة اجتماعية لا آفة سماوية يمكن التغلب عليها، ثم حلل الفقر وجعل له أسباباً طبيعية يتغلب العلم على كثير منها، وأسباباً غير طبيعية يجد لها المخلصون علاجاً في إخلاصهم، وهنا ذكر ما يجب على الحكومات عمله في طرد الفقر، وما يجب على الأوقاف التي تجمدت في ذهنها معاني الإحسان! وكان الأستاذ محدثاً موفقاً في محاضرته، خالباً ألباب سامعيه، داخلاً في نفوسهم، محللا موضوعه تحليل الطبيب الاجتماعي. وما أن انتهت المحاضرة حتى خف الزائرون إلى الميتم يتفقدون حجراته، فرأوا في هذه المؤسسة من الأناقة والترتيب والتقدم ما يشهد كله للقائمين على هذه المؤسسة الخيرية بالهمة السامية والعمل الكامل. وبعد لأي بدأت حفلة التكريم فما قلت جمالاً عن أختها، فتكلم حضرة مفتش المعارف السيد واصف بارودي كلمة عن أثر اللغة وربطها بين الأقطار، وعن آثار الأستاذ أحمد أمين، ثم ألقى الأستاذ جورج كفوري مدير الدروس العربية في المدرسة العلمانية كلمة بليغة في تحليل أسلوب الأستاذ أحمد أمين، وخصمه بمزايا منها: نزاهة في التحليل، وغوص على أعماق المسائل؛ وأيد قول زميله الدكتور طه حسين فيه:(إنه يعمل كالكيماوي في مختبره). ثم ألقى السيد كاظم الصلح خطاباً قيماً عن جهاد الأستاذ عبد الرحمن عزام، وعن وطنيته الدافقة التي تعلن الحرب في كل ميدان عربي، لأنها مؤمنة جد الإيمان بعروبتها، وهنا نهض الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام مبلغاً تحيات الأستاذ عبد الرحمن الذي حال بينه وبين قدومه العاجل إلى العراق، وأكد بكلامه أن البلاد العربية ساعية إلى وحدتها التامة ومتلافية فيها لأن كل شيء يسبقها على تقريب ذلك وليس فجرها ببعيد. وختم الحفلة الدكتور سليم إدريس شاكر لليتيم الذي سهل للحشد الكريم اجتماعه وتعارفه، ثم انصرف الناس تلهج ألسنتهم بالشكر والثناء الجميل على ليلة كانت من ليالي الدهر.