بالكفاح ما بين الطبقات، ويحاول أن يوحد العمال في جميع أنحاء العالم، ويشعلها حربا زبونا بين نبي الإنسانية جمعاء، حرباً تقوم لا بين وطن ووطن، ولا بين جنس وجنس، بل بين طبقة وطبقة: بين البورجوازية والعمال، فتسقط البورجوازية ويسود العمال
ونحن لا نعرض بنقد أو بتحبيذ للمذهب الاشتراكي ونقتصر على أن نستخلص مما قدمناه أن هناك نزعة في أوروبا وجدت منذ القرن التاسع عشر وقالت برابطة الطبقات، وعارضت الروابط المبنية على الوطن والجنس، واعتبرت العمال في جميع الأوطان ومن جميع الأجناس إخواناً متآلفين. وهم جميعاً خصوم للبورجوازية في جميع الأوطان ومن جميع الأجناس. وقد أخذت هذه النزعة تشتد شيئاً فشيئاً طوال القرن التاسع عشر، ثم دخلت في دور عملي حاسم أثناء الحرب الكبرى، حيث قامت البلشفية في الروسيا، وأصبحت الاشتراكية مذهباً عملياً لنظام قائم من الحكم، أقامه لينين على أنقاض القيصرية، بعد أن اقتلعها واجتذها من أصولها. وأوجد انقلاب سنة ١٩١٧ النظام السوفيتي في الروسيا في ظروف معروفة، ولا يزال هذا النظام قائماً في الروسيا حتى الآن
ويذكرنا القرن العشرون، بالنسبة لقيام الاشتراكية وانتشارها في العالم برغم مقاومة الحكومات لها بالقرن التاسع عشر، بالنسبة لقيام الحركات الوطنية وانتشارها في أوروبا برغم مقاومة الحكومات الرجعية لها. والشبه غريب بين الحرب الكبرى وحروب نابليون، وبين مؤتمر فرسايل المحافظ ومؤتمر فينا الرجعي
على أننا نريد أن نبسط الحقائق كاملة، فليس من الدقة في شيء أن نقول إن الاشتراكية بقيت وحدها في الميدان، بل يجب أن نفتح أعيننا على ما يجري الآن أمامنا من صراع عنيف بين الاشتراكية والوطنية. فإن الحركات القائمة على رابطة الوطن ورابطة الجنس لم تخمد جذوتها في أوروبا، بل هي قد زادت اشتعالاً. وكأن حرب الطبقات التي شهرتها البلشفية في وجه العالم، تلك الحروب الشعواء التي أذكى نارها العمال صاروا لها وقوداً، وهم يريدون من ورائها أن يبسطوا سلطانهم، وأن يحكموا بالسيف والنار، تلك الحرب العنيفة القاسية قد استفزت دعاة الوطنية في أوروبا وألبتهم فوقفوا صفوفاً متراصة أمام هذا العدو المشترك. ووقعت الواقعة، ونشب عراك دموي بين دعاة الاشتراكية ودعاة الوطنية، وانضوى دعاة الوطنية في أقوى مظهر من جهادهم تحت لواء حركتين مشهورتين: هما