- فيقول: والله لقد كذب، ما دست على رجله ولكن هو الذي عضّني في أذني فأغضب وأصرخ في وجهه:
- وكيف يعضك وأنا قاعد هنا؟
- فيقول: ليس الآن، ولكنه عَضّني أمس ويتطوع العفاريت الصغار للشهادة للمدعي وللمدعى عليه، ويزلزل الفصل فأضرب المنصة بالعصا وأسكتهم جميعاً مهدداً من يتكلم بأقسى العقوبات، ولا أدري أنا ما أقسى العقوبات هذه؟. . . فيخنسون ويُبْلسون فأعود إلى الدرس فإذا هو قد طار من رؤوسهم، على أنه ما استقر فيها قط!
وينفخ في الصور، فتقوم القيامة، ويخرج الأولاد إلى الفرصة، ثم نرجع إلى درس القرآن. فأقول:
- من يحفظ سورة الفاتحة؟
- فيتصايحون: أنا. . . أنا. . . أنا
- سكوت! واحد فقط. . . اقرأ أنت
- الحمد لله رب العالمين. . . إياك نعبِد
- فأقول: إياك نعبُد. - فيقول: نعبد
- ويحك: نَعْ بُ د
- فيقول: نَعْ بِ د
- انتبه يا بني: نَعْ بود
فيقولها. حسن. قل نعبُد. فيقول: نعبِد فلا نزال في نعبُد ونعبِد حتى ينتهي الدرس. ولا يلفظونها إلا بالكسر لأنهم حفظوها من السنة الأولى خطأ.
ولا أزال في هذا البلاء بياض نهاري، ولا يأتي المساء وفيّ بقية من عقل، أو أثر من قوة، ثم لا أنا أرضيت الوزارة، ولا أنا نفعت أبناء المسلمين، ولا أنا انصرفت إلى مطالعاتي وكتابتي.
وهذه مكتبتي لم أدخلها منذ أول العام المدرسيّ، وهذه مشروعات المقالات والبحوث التي أكتبها، وهذه مسوّدات الكتاب الجديد الذي أؤلفه مبثوثة في جوانب الغرفة، ضائعة مهملة.