للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كالحديث الشريف فلابد حينئذ من ذكر الأسانيد وسرد الروايات، وإقامة الدليل على صدق الرواة، إلى آخر ذلك مما هو معروف في أصول علم الحديث. أما إذا كان المراد إثباته مدوناً بنفسه، لم يعد مجال حينئذ إلى الأخذ بطريقة الرواية والإسناد، وصار لابد من التدليل عليه بنسخته الأصلية التي وضع بها، أو بالنسخة التي أخذت عن هذه. فالقرآن الكريم مثلاً، لما كان قد دون في العهد الذي نزل فيه، وجمعت صحفه المدونة في عهد الخليفة الأول، وانتقلت إلينا نسخ مخطوطة منه كتبت في عهد قريب من عهد نزوله، لم يلجأ إلى الرواية لإثبات صحته

وكذلك أيضاً شأن الشرع الروماني الذي دون وجمع في عهد جوستنيان، فهو لا يثبت بالروايات والأسانيد، ولكنه يثبت بنسخة المخطوطة القديمة التي هي من عصر جامعه ومصلحه جوستنيان. وهذه النسخ قد عثر عليها ولا تزال محفوظة؛ ولو لم يكن على الفرض، بأيدينا منها، إلا ما هو منذ القرون الوسطى، لوجب أيضاً إلا نشك في صحتها، لأن علماء تلك القرون المظلمة لم يكن لديهم من الكفاية والمقدرة العلمية ما يمكنهم من وضع حقوق راقية كالشرع الروماني، فالأولى ألا يشار الروايات والأسانيد في موضوع الحقوق الرومانية وغيرها من الحقوق التي دونت عند وضعها

هل بعد الوثائق الأثرية والنسخ المخطوطة القديمة حاجة لدليل على صحة؟ إن القوانين والأحكام الحقوقي الرومانية المعروفة في عهدنا هذا هي نفس القوانين والأحكام التي عرفها الرومان في القرن السادس الميلادي وقبله

قد يغضب صاحبا المقالين فيقولان إن النسخ المخطوطة القديمة نفسها مصطنعة لفقها الأوربيون؛ فإذا بلغت بهما الحماسة الدينية القومية هذا الحد من إنكار الحقائق العلمية التاريخية الراهنة لم يعد آنئذ مجال للبحث

ولكن هل يجوز لنا أن نتهم جميع علماء الغرب بلا استثناء بالتزوير؟ وما الذي يسوغ لنا ذلك؟ أولا نجد بينهم إناسا وضعوا الحقيقة في أعلى المنازل وجعلوها فوق كل شيء؟ ألا نرى بينهم عدداً غير قليل دافع عما يعتقد أنه الحقيقة مخاصماً بذلك رجال الدين، ومعادياً في هذا السبيل السلطان الجائر؟

ألم ينافح كثير من علماء المشرقيات عن ديننا الحنيف، ونبينا العربي، وحضارتنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>