للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عنها قوة واقتداراُ، أليست مصر صاحبة أول بعثة تجارية بحرية في التاريخ هي بعثة الملك (اسنفرو) إلى الشام؟ أليست مصر صاحبة أول بعثة استكشافية يعرفها التاريخ هي بعثة الملك (نخاو) حول أفريقية؟ ألم تكن مصر سيدة البحار على عهد البطالسة، ومنارتها بالاسكندرية من عجائب العالم القديم؟ أليس أسطول مصر الاسلامي هو الذي دحر الأسطول البيزنطي في واقعة (ذات الصواري) المشهورة وانتهت اليه زعامة شرقي بحر الروم زمناً طويلاً؟ ثم ماذا كانت واقعة (نوارين) التي تحامل فيها الغرب على الشرق فدمر فيها الأسطول المصري تدميراً، وكان ذلك آخر عهد مصر بالملاحة الصحيحة

إن تعجب فعجب أن تكون لمصر سواحل مترامية مطلة على بحرين من أهم بحار الأرض، وأن يكون لها هذا الماضي الجليل، ثم تظل طوال القرن التاسع عشر وصدر اقرن العشرين عالة على سفن غيرها في نقل عروضها ومتاجرها ومسافريها، ولكن هذا الذي قدر فكان. فليذكر ذلك الذاكرون في هذه الأيام السعيدة التي تأذن الله فيها بانبعاث البحرية المصرية على أيدي رجال (شركة مصر للملاحة البحرية)

لقد كنت أمضي في تأملاتي هذه، لولا أن يسرت أقدار لأقدار، فلمحت عن كثب زعيم مصر الاقتصادي، وحامل لواء نهضتها المالية الحرة، ومن عساه أن يكون سوى (محمد طلعت حرب باشا)؟ فأسرعت إليه أبثه إعجابي بما أرى، وأهنئه وأهنئ في شخصه رجال هذه الشركة المباركة على ما أوتوا من عناية الله وتوفيقه. وجلست اليه سويعة تحدثت إليه فيها فيما خص من الأمر وما عم، ثم قمت من حضرته وأنا أهدي ما كنت، وأفهم مما كنت، وخيراً مما كنت. وكذاك الشباب إذا ظفر بلقاء الرجل العظيم والتحدث اليه

وكانت الشمس قد أوت إلى الأفق الغربي مؤذنة بالمغيب، وجعلت ترسل أشعتها على أعالي البواخر والسفن فتصبغها بمثل الورس الأحرم، وتسكبها على ماء البحر فتحيله تبراً مذاباً. وشمل المنظر خشوع وجمال وجلال، زاد القلب طرباً ونشوة ووجداً. فانصرفت وأنا أدعو (لكوثر) وأخواتها ببحر ذلول، وريح رخاء، وأهتف من اعماق قلبي لأولئك الذين بعثوا العزة القومية بعد وأدها، وأحيوا في نفوس هذه الأمة دارس الأمل وميت الرجاء

عبد الحميد العبادي

<<  <  ج:
ص:  >  >>