هذا بقوله: لا تنكر (أيها القارئ) على حكايتي عن النظام بقول ملحون مذ قلت (إن كنت سبع) ولم (أقل إن كنت سبعاً).
ثم علل ذلك بقوله إن الإعراب يفسد نوادر المولدين كما أن اللحن يفسد كلام الأعراب لأن سامع النوادر إنما أعجبته تلك الصورة وذلك المخرج وتلك اللغة، فإذا أدخلت على هذا الأمر الذي إنما أضحك سخفه وعجمته حروف الأعراب والتخفيف والتثقيل وحولته إلى صورة ألفاظ الأعراب الفصحاء وأهل المروءة والنجابة - إذا فعلت ذلك انقلب المعنى مع انقلاب نظمه وتبدلت صورته.
ثم قال الجاحظ في مكان آخر: ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء فالسخيف للسخيف والخفيف للخفيف: فإن كان موضع الحديث على أنه مضحك ومله وداخل في باب المزاح والتفكيه فاستعملت فيه الإعراب انقلب عن جهته وإن كان في لفظه سخف فأبدلت السخافة بالجزالة صار الحديث الذي وضع على أن يسر النفوس يكربها ويأخذ بأكظامها.
ثم قفى الجاحظ على رأيه هذا بهذه العبارة الجريئة فقال:(وبعض الناس إذا انتهى إلى ذكر كذا وكذا وعدد الجاحظ ألفاظاً يستحي من ذكرها) ارتدع وأظهر التعزز واستعمل باب التورع. وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجل ليس معه من العفاف والكرم والنبل والوقار إلا بقدر هذا الشكل من التصنع. ولم يكشف قط صاحب رياء ونفاق إلا عن لؤم مستعمل ونذالة متمكنة انتهى.
أقول قد غلا الجاحظ في تهوين أمر كلمات الرفث والبذاء على الناس؛ وأرى أن استدرك عليه بما استدركه ابن قتيبة على نفسه وقد حام على ما قاله الجاحظ فقال: ولم أترسل لك بإرسال اللسان بالرفث على أن تجعله هجيراك على كل حال، وديدنك في كل مقال. بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها أو رواية ترويها تنقصها الكناية ويذهب بحلاوتها التعريض وأحببت لك أن تجري في القليل من هذا على عادة السلف الصالح في إرسال النفس على السجية والرغبة بها عن لبسة الرياء والتصنع ولا تستشعر أن القوم (يعني السلف الذين ترخصوا بذكر الرفث) قارفوا وتنزهت، وثلموا أديانهم وثورعت اهـ.
ثم انتقل ابن قتيبة في كتابه (عيون الأخبار) من رواية كلمات الرفث والترخيص بها بقدر