للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حرية إذا قيست إلى الآلام التي يعنيها العبقري المريض الذي انهد قلبه ورزح تحت كابوس بالآلام. فمسكنه الطيني يصبح سجناً مظلماً كما تصبح أعصابه منازل للقرف والعذاب، وروحه موئلاً للعزلة السوداوية، ويظل فريسة لأشباح القنوط، ويغدو متحجراً من جراء ازدياد الألم، محكوما عليه بالموت في قيد الحياة وبالشعور بالوجود الأليم، لا حول له ولا قوة ولا حتى شعور بها، ومن المفزع أن يضع الموت أو فقدان الوعي التام حداً لمثل هذه التعاسة) ومهما تكن الحالة مثيرة فعلينا أن ننظر غليها نظرة عطف لا نظرة استخفاف وتجرد. وعلى كل حال نقول إنه من العار العبقري يتشكى. أليس في نفسه نور من السماء ليست عروش الأرض ببائها إلا ظلاماً بالقياس إليه والمقارنة به؟ والرأس الذي يلبس مثل هذا التاج يأبى أن يرقد بقلق. إذا كان هذا النور السماوي هو الذي أعان سيمون السوري على أن يصمد في أعلى عمود التعذيب دون أن يتزحزح إيمانه قيد أنملة، فكم بالأحرى أن يكون الأمر كذلك إذا كان هذا النور مباشراً ومضيئاً صافياً وخالصاً من كل شائبة؟ وإلا فدع حكيم العصر يتألم من الأوصاف والرزايا التافهة في صبر وأناة؛ أو يعترف بأن المتعصبين القدامى كانوا أصدق منه تعبداً وأصفى سريرة وأرهف إحساساً. وقد يحدث بين الحين والآخر أن يعرض في بعض المجالس الأدبية والنوادي الثقافية حديث السعادة، فينسى السادة المتناقشون شرابهم ليتكلموا في السعادة وعما إذا كانت هي الغاية الرئيسية من حياة الإنسان، وأغلبهم يوئيد رأي بوب القائل بأن السعادة هي غرض وجودنا وهدفه، ولكن المعارضة لا تكتفي بهذا بل تريد أن تفهم لماذا تكون الطبقة الجاهلية أسعد حالاً من الصفوة المختارة. ومع ذلك فنحن لا نريد أن نستبدل أما كننابهم؛ أليس مكتوباً أن زيادة في الحزن؟ أليس مكتوبا قولهم تعلموا الحكمة واستزيدوا من العرفان لان في هذا بداية الخير؟ فإذا كان تعليمكم صحيحا فلماذا نشقى في النضال بكل قوتناإذا لم يكن ذلك في سبيل الحصول على السعادة والنجاة من الآلام والاوصاب؟

وهكذا تظل السعادة بين الأخذ والرد بين هؤلاء المناطقة من دون الوصول إلى نتيجة قطعية مقنعة، وهذا ما يجعلنا مضطرين إلى تركها على ما هي عليه من ارتباك وتخبط. ولكن هناك بعض النفوس الجدية التي لا تعتبر الحقيقة لهواً ولعبا بل (ماهية) الحياة. وهم لا يعتبرون الأشياء الظاهرية الجامدة إلا اعتباراً تافهاً، بل يهمهم قبل كل شيء (النداء

<<  <  ج:
ص:  >  >>