أيام الحرب أكثر عددا من أيام السلم، وأن لصوص الاستعمار تشغلهم الحرب عن السلم، ولم تشغلهم السلم عن الحرب، فأصبحوا في حرب متصلة الحلقات
وعلمت مصر - كما علم غيرها - أن الشعار الكاذب لحرب ١٤ - ١٨ هو وعود المتحاربين للأمم الضعيفة بأن نهاية الحرب هي بداية تحريرهم فليسكتوا إلى حين، لأن السلاح خطيب يجب الإنصات له، ويحرم الكلام معه، فلما انتهت تلك الحرب أمعن اللصوص المنتصرون في استعباد المستضعفين، وصمت آذانهم عن سماع أصواتهم. وجاءت حرب ٣٩ فتجددت تلك الوعود بألفاظها، وزيدت عليها نون التوكيد المشددة، وسيقت تلك الشعوب الموعودة على نغماتها إلى جهنم بأوزار غيرها، ولمنافع غيرها. فلما خفتت المعامع، وسكتت المدافع، عادت طبيعة الكذب والإخلاف إلى مستقرها من نفوس اللصوص، وعادت الحالة إلى أشنع مما كانت عليه من تحكم واستعباد. وما انتهت تلك الحرب حتى ظهرت عليها أعراض الحمل بحرب أخرى ثالثة، وأصبح العالم كله استعدادا لها، وأوجد الطغاة العالون في الأرض بذاك مرخصا لطغيانهم ولإسكات الأصوات المطالبة بالتحرير؛ وعادت نوبة المماطلة والتسويف والوعود الكاذبة والتعلل بأن الحرب على الأبواب، فلنحتفظ بهذه الأبواب، وبأن الديمقراطية في خطر، فلنتعاون على إنقاذها مجتمعين قبل كل شيء ثم تتناصف. وهم لا يريدون من الديمقراطية إلا سيادتهم واستعلاءهم وتحكمهم في الشعوب والأوطان واستئثارهم بقواتها وخيراتها، فقالت مصر: إذا كانت الحرب لم تنصفني مع احتراقي بنارها، وكانت السلم لا تنصفني مع اضطلاعي بوسائلها وتمهيدي لأسبابها، فلأنتصف لنفسي، ولآخذ حقي بيدي. . . فأقدمت، وجاءت بها غراء شهرة الأعلام، وسنتها سنة حسنة لها أجرها وأجر من عمل بها، ممن ضاقت به الحيل، واشتبهت عليه السبل. ولعمري لئن سبقها إلى هذه المنقبة رجال من فارس، ليلحقنها فيها رجال من العرب الأشاوش. . .
الآن. . . يا مصر. الآن وقعت على مفتاح القضية، وقد أقدمت فصممي، وأحذري النكول والتراجع فإنهما مضيعان للفرصة. اجعلي من أرضك صعيدا واحدا وأجمعي أبناءك كلهم فيه صفا واحدا بقلب رجل واحد، على الحفاظ والنجدة والاستماتة في حقك والموت في سبيله؛ واجعلي على وجهيك وجها واحدا مستبين القسمات، واضح السنن، يراه عدوك فلا