للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالخروج عليه والغدر به، ابتغاء سلطان جديد يسخو عليهم ويجود، بدل هذا الشحيح الضنين، وقد بلغت أبناؤهم مسامع السلطان فاضطر إلى جمعهم وتوبيخهم حتى أقسموا له يمين الولاء على المصحف العثماني. . . ومن ثم أخذ يسترضيهم بشتى ضروب الاسترضاء

فلما بريء السلطان من مرضه، أحب أن يشيع خبر برئه بين الناس حتى يعلم به القاصي والداني، ويهيئ لهم، رغم أنفسهم وقتا للهو، ويفتح بابا للتمتع والابتهاج، فرحا بشفائه. .

لي سكان القاهرة نداء محتسبها، وازدانت بركة الرطلي وبدت في أجمل حلة، وتوجهت الطيقان بقطع الأقمشة الحريرية الملونة الجميلة، وعلقت حمائل القناديل وأمشاطها، واجتمعت كل معدات الهو ودواعيه، من طعام شهي، وشراب طلى، وغناء جديد، وألعاب نارية يحرق فيها زيت النفط

ومادنا الليل حتى كان اللهو قد نادي ببوقه، واستوي على سوقه. وأخذت الزوارق تذهب وتؤوب في الخليج، مرة ينفرج عنها ظلام الليل البعيد، كأنها ابتسامات العبيد، ومرة تنساب عائدة إلى ظلالته، فيطوي عليها حفافي ملاءته. وهكذا لبثت البركة في تبرجها وزينتها ثلاثة أسابيع متوالية، وهي مراد اللاهي وروضة الحائر، ومراح المرتاض، وموعد العشاق، حتى قال فيها الشاعر:

إلي بركة الرطلي أني ميمم ... لأبرئ كبري أو أزيل سقامي

ففيها لمعمود الفؤاد لبانة ... يطب برياها من الأسقام

إذا ظمئت نفسي من الوجد والهوى ... ذهبت إليها كي أبل أو أوامي

وأهفو كما أهوى إليها كريمة ... بغير عتاب عندها وملام

بها الراح تسقي في الكؤوس وتارة ... تدار بلحظ مرة وكلام

بها متع للعين والسمع والنهى ... وليست لعشاق الهوى بحرام

ولم تكن البركة وحدها منفردة بهذا التبرج - حينذاك - بل كانت كذلك، القلعة والقاهرة وأسواقها، وهناك كانت مصر العتيقة، وبولاق وغيرها وتبارى الأمراء وكبار الموظفين والقضاة والأعيان والخليفة في إظهار سرورهم، وبالغوا في مشاركة سلطانهم فرحة بهذا الشفاء: فجعلوا دورهم بالأعلام والثريات والأقمشة النفسية، وكانت أنواع الموسيقا تعزف

<<  <  ج:
ص:  >  >>