للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التيارات العتيقة التي كانت تبعث بفلك العالم الإسلامي والمسلمين في ذلك الوقت.

إن قرار خواجة كمال الدين في الدعوة إلى الإسلام في أوربا يبدو محيرا غريبا لأولئك الذين لا تدرك بصائرهم وراء مظاهر الأشياء والحوادث، ولذلك لا يبدو محيرا ما جره عمله الجريء هذا عليه من عداء أولئك الذين في قلوبهم مرض، وأولئك الذين يريدون خدمة الإسلام بأضعف الإيمان، وبأقل من ذلك، بأمور ووسائل لا تتجاوز الصلاة وجلب المنافع لأنفسهم عن طريق هذا الدين.

والآن، وبعد مرور سبعة وثلاثين عاما، والإسلام يحتل المركز اللائق به في شؤون العالم السياسية، أصبح من اليسير الحكم على صواب ما رأى وما عمل خواجة كمال الدين. ومن المحقق أن عظمته الحقيقية ما كانت لتبدو على فطرتها لو لم يتخذ مثل هذا التصميم في خدمة الإسلام. ومن حسن الحظ أنه لم يكن من ذلك الطراز الذي يجري وراء الحوادث، وإنما كان من ذلك النوع الذي تجري الحوادث لاهثة متعبة وراء قدميه. لقد استبق معاصريه بخطواته الجبارة، فكان الفذ الذي لا يجارى، والسباق الذي لا يشق له غبار، والبطل الذي تزيل إرادته الجبال، فاضطلع بتلك الأعمال الخطيرة ورسم المستقبل واضحا لغاية كريمة واضحة.

والواقع أن العالم الإسلامي عام ١٩١٢ كان في حاجة ماسة إلى تقوية نفوذه في أوربا مركز الاستعمار، الذي كان يتوقف عليها مصيره، وبعبارة أخرى كان هذا العالم في حاجة إلى سفير في تلك القارة لا يمثل أمة أو بلدا من بلاد الإسلام، وإنما يمثل ما في روح الإسلام من مثل إنسانية رائعة لا يعزفها الناس هناك. ويحسن ونحن نتحدث عن أوربا أن نذكر كيف كان الناس هناك ينظرون إلى الإسلام والمسلمون. ولكي يأخذ الإسلام المكانة اللائقة به، لم يكن هنالك مناص من إثارة عظمة الإسلام وأمجاده في نفوس المسلمين أولا، وأن يؤمن أولئك المسلمون الذين امتلأت ضمائرهم وقلوبهم بمركب النقص، من جبروت الاستعمار وظلم المستعمرين وفقدان الكيان السياسي، بأنفسهم إيمانا صحيحا صادقا. وفي سبيل الوصول إلى هذا الهدف كانت هنالك ضرورة ملحة تتعلق بشباب المسلمين الذين هرعوا في القرن العشرين إلى جامعات الغرب يتلمذون على الحضارة الغربية، والذين راحوا تحت تأثير هذه الحضارة يتحللون من كل ما يفرضه عليهم الدين الإسلامي من

<<  <  ج:
ص:  >  >>