وتمتم الرجل وهو ينحني على الأرض فتلمس ركبتاه الطين المبلل:(لقد جمع الممثلون والصحفيون مالا لكي يقيموا له نصبا تذكاريا. . فإذا بهم بعد ذلك يبتلعونه)
(ماذا تعنى بقولك أبتلعوه؟)
(أعنى أنهم جمعوا المال لأقامة النصب ثم دسوا المال في جيوبهم. أنني لا أقول ذلك لائما لهم بل مقررا لحقيقة واقعة. . والآن سأشرب نخب صحتكم ونخب ذكراه الخالدة. .)
(إن الصحة لن تأتينا بشربك نخبها. . . والذكرى الخالدة أمر محزن. . لتكن الذكرى مؤقتة دائما فهذا خير للبشر. .)
(هذا حق. . لقد كان موشكين رجلا شهيرا. . وقد حمل الناس خلف نعشه عشرات من الأكاليل. . ومع ذلك فقد طواه النسيان في مدى عامين. . لقد نسيه من أحبوه. . أما من أساء إليهم فما زالوا له من الذاكرين إنني لن أنساه ما حييت. . أبدا، أبدا، لأنني ما تلقيت منه سوى الإساءة. . أنني لا أحبه. .)
(كيف أساء إليك؟)
تنهد الممثل وقد بدت على وجهه المرارة والألم: (إساءة كبرى. . لقد كان الرجل - طيب الله ثراه - وغدا لصا فبالنظر إليه والاستماع له أصبحت ممثلا. . وبفنه أغواني فتركت بيتي إلى الأبد وقد غرني المجد الفني. . وعدني بالكثير ولم يمنحني سوى الحسرة والدموع. . هكذا المصير الكئيب الذي ينتظر الممثل. . لقد فقدت كل شاء الشباب والعاطفة وشبهي بالآلهة وليس الآن في جيبي مليم واحد. وحذائي بال وملابسي ممزقة. . لقد سلبني الإيمان. . هذا اللص. . ومنحني التفكير الحر والحماقة دون أن يكون لدى أية موهبة. . إن الجو أيها السادة فهلا شاركتموني في الشراب؟ إن الزجاجة ما يكفينا جميعا. . فلنشرب نخب رقود روحه في سلام، أنني لا أحبه. . إنه الآن ميت. . ومع ذلك فلم يكن غيره في هذه الحياة. . وكان لي كأحد أصابعي. هذه هي آخر مرة أراه فيها فأطباء يقولون أنى سأموت قريبا لفرط الشراب. . وقد أتيت هنا لأودعه وأقرئه السلام والعفو عن أعدائنا واجب علينا
وتركنا الممثل ليتحدث إلى موشكين وسرنا وفى الجو رذاذ منعش. . . وعندما بلغنا الطريق العام جنازة تمر بنا وقد حمل النعش أربعة يلبسون أحزمة بيضاء وأحذية قذرة. .