العربية جددوا كثيراً في مجازاتهم، وأننا نستطيع أن نحذو حذوهم ونحن نقول (نحذو حذوهم) ولا نظن أننا نبعد في اتخاذ الكلمات لمعانيها المستحدثة مسافة أبعد من المسافة بين الأصل في حذو الجلد وبين المجاز في دلالته على الاقتداء والاهتداء، ولا أبعد من الأصل في كلمة (المسافة) حين أطلقت على الموضع الذي يسوف فيه الدليل تراب الأرض ليعرف موقعه من السير، ثم استعيرت لما نعنيه اليوم بالمسافة وهي كل بعد بين موضعين. وشرط اللغة علينا أن نصنع كما صنع أهلها، فنجدد في المعاني من طريق المجاز، بحيث لا يكاد السامع يفرق بينها للوهلة الأولى: أهي أصل في اللغة قديم أم مجاز جديد.
ثم جرت مناقشة بين الأعضاء في موضوع المحاضرة، قال فيها معالي السيد محمد رضا الشبيبي: هل يفهم من قول الأستاذ (إننا لا نحتاج كثيراً إلى التسلسل التاريخي في وضع معجماتنا الحديثة وأننا في غنى عن وضع المعجمات اللغوية التاريخية)! فقال الأستاذ العقاد: في اللغة العربية استعملنا كثيراً من المعاني المجازية، لكن التعب الذي نحتاج إليه في الرجوع إلى أحوال الكلمات أقل من تعب واضعي المعجمات الأوربية، فمثلاً معجم أكسفورد وهو أكبر معجم للإنجليزية اضطر واضعوه أن يبدءوا من القرن الثاني عشر لأن ما قبله لا يستعمل الآن ولا يفهم، لكننا نحن قد نجسد كلمة من الجاهلية تستعمل الآن في معناها الأصلي.
وقال الأستاذ (جب): ما مدى تطبيق هذه القاعدة؟ إن نظام الاختيار في نهاية الأمر للجمهور، أما فيما يختص بالمصطلحات العلمية فالجمهور خاضع لأمر المختصين.
وقال الأستاذ (ماسنيون): تذكرت جلسة من الجلسات القديمة تباحثنا فيها عن التضمين، فالتضمين كالمجاز، وقد ألقيت منذ سنتين كلمة في جامعة باريس عن أهمية التضمين في تشكيل عبارات جديدة ومعان جديدة في قوالب قديمة. فقال الأستاذ العقاد: لم تنتفع بالتضمين حق الانتفاع مع أنه نافع جداً، والتضمين يجب أن يتجه إلى إيداع معان فكرية جديدة، أما المحللات اللفظية فنحن في غنى عنها.
حول محاضرة الدكتور ناجي:
قرأت تعقيبك على محاضرة (الشاعر الدكتور ناجي). . . وأنا وإن كنت ممن يقدرون شعر ناجي، بل كنت - يوماً - أضعه في مصاف الملهمين المعاصرين من أمثال علي طه وإيليا