للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حياتهما إن لم يكن أعظمها جميعاً. وسرعان ما تحول ذلك الفتور الذي أبداه الشاعر الأكبر نحو زميله الفتي إلى حب وإعجاب خالصين، ولم تمض أعوام قلائل حتى توثقت بينهما أواصر صداقة عميقة؛ ولم يمنع تنافسهما النبيل في آفاق الشعر أن تبقي هذه الصداقة إلى الأبد، مقرونة بالوفاء الخالص والإعجاب المتبادل، وأن تغدو صفحة خالدة في تاريخ التعاون الأدبي. كان شيلر رجل المثل العليا، وفيلسوفاً ذا آراء ونظريات خاصة في الحياة. ولكن جيته كان رجل الحقيقة، يعرض ما في الطبيعة ويصوره كما يراه؛ وكان شيلر شاعر (الدرامة) وكان جيته شاعر الخيال والفروسية؛ ولكن كلا منهما كان جندياً عظيماً لبناء الآداب الرفيعة وتحطيم الآداب المبتذلة؛ وكان كلاهما قائد عظيم لحركة (العاصفة والدفع) التي كانت ظاهرة التفكير والآداب الألمانية في أواخر القرن الثامن عشر، والتي كانت ترمي إلى تحطيم القديم وتجديد كل شئ؛ وكان لهذه الصداقة الحميمة، وهذا التعاون الأدبي الوثيق بين الشاعرين الكبيرين أثره في نفس جيته وفي نظمه، يبدو ظاهراً في (أغانيه) وفي قصة (هرمان ودروتيا)، وغيرهما مما أخرج في هذا العهد.

وفي سنة ١٨٩ عين شيلر أستاذاً للتاريخ بجامعة بينا بمعاونة صديقه وأستاذه جيته، وفي العام التالي اقترن بالآنسة لنجلفد التي تعرف بها وبأسرتها قبل ذلك بأشهر قلائل؛ وبذلك استقرت حياته، وعاش في نوع من الصفاء والرغد؛ وانكب في هذه الفترة على دراسة التاريخ؛ وألف كتابه عن (حرب الثلاثين) وأصدر مجلة أدبية فلسفية بعنوان (الساعات) كانت نموذجاً بديعاً للتفكير الرفيع، وفيها كان يكتب أئمة العصر: جيته، وهردر، وكانت، وفخته، وماير، وانجل، وجاكوبي، وغيرهم؛ وكان لها أثر عظيم في سير الثقافة الألمانية والتفكير الألماني في ذلك العصر. وكان شيلر من أنصار الثورة الفرنسية التي كانت تضطرم في ذلك الحين، وظهر ذلك العطف في كثير من كتاباته وقصائده حتى أن (المؤتمر الوطني) الفرنسي منحه لقب (مواطن فرنسي). وفي تلك الفترة أيضاً أخرج شيلر درامته القوية (فالنشتاين) (١٧٩٩)، واستمر في تدريس التاريخ في يينا حتى سنة ١٨٠٠، ثم استقال من منصبه، وعاد فاستقر في فيمار إلى جانب جيته؛ وهنالك أخرج عدة قطع جديدة: ماريا ستوارت؛ وعذراء أورليان وعروس مسيني فكان لصدورها جميعاً دوي عظيم؛ وكانت جميعاً من أبدع ما كتب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>