ومما لا مريه فيه أن الإيمان إذا استبطن النفوس، لم يلبث أن يوطنها على هداه، ومتى رسخ الاعتقاد انقادت العقول طوعا له. وليست مظاهر الحياة في كلأمةإلا ميزانا أمينا لما يعمر جوانبها من إيمان، ومقياساً دقيقاً لما يرسخ فيها من اعتقاد.
وما دام الدين إيماناً عميقاً وعقيدة روحانية تأخذ الناس بألوان من تقاليد وأوضاع، وما دامت هذه الأوضاع والتقاليد ذات أثر بالغ في سلوك الناس أفراداً وجماعات، فلا منجاة للقانون من التأثر بالدين، والاصطباغ بصبغته؛ فإن قانونا يتشكل بروح الآمة لا بد أن يسرى إليه ما يسري في جوانب تلك الأمة من خصائص التدين، فبقدر ما يسكن في النفوس من هذه الخصائص يظهر الأثر واضحاً في روح القانون.
فإذا نقم الناقمون من قوانيننا التي يجرى بها العمل في المجتمع الحاضر أنها تجانب تعاليم الدين بقدر يسير أو بقدر جسيم، وإذا طمح الطامحون إلى تضييق دائرة الفروق بين الدولة والدين فلينظروا بادئ بدء:
أفي هذه القوانين تمثل صحيح لحاجات البيئة التي يندرج فيها مجموع الأمة؟ وهل هي تطبيق سليم للمبادئ العامة التي يزكيها أهل الرأي، وتنزل من موافقتهم منزلة الإجماع؟
فإن استبان لهم أن القوانين منقوصة الحظ من صحة التمثيل، وسلامة التطبيق، فليعمدوا إلى تعديلها وإصلاحها بالوسائل المشروعة التي يجرى بها التعديل ولإصلاح.
وأما إن وجدوها سليمة صحيحة، من حيث مسايرتها لحاجات الأمة، وطبائع المجتمع الحاضر، فليعلموا إذن أن هذه القوانين لا تجانب تعاليم الدين بغيا وعدوانا، ولكنلأنالأمة هي التي بضعف استشعارها لهذه التعاليم، فهي تجانبها على عمد أو على غير عمد.
فليقولوا في غير مواربة إننا تحن الذين أخذنا من الدين قشوراً وظواهر، وإننا نحن الذين آمنا به رسوما وأسماء، فأما أغلب مبادئ الدين وتعاليمه الوثيقة الصلة بنواميس العيش وحقائق الاجتماع، فقد ظلت بعيدة عنا، أو خافية علينا، فلم نشعر لها في مجموعنا بذلك الأثر الذي ينفض صبغته على حياتنا العملية، ولم يكن لنا إلهام منها فيما نتخذ من دستور، وما نصطنع من قانون.
ولعل السر في ذلك أن أغلب المبادئ والتعليم التي رسمها الدين، لينتظم بها المجتمع في أسواق الحياة، يستأثر بعلمها نفر من رجال الشرع، ويتخذونها موضوع درس وتلقين في