ومحو الدولة العلوية، وإقامة الدعوة العباسية، وشرح فيها ما قاساه في الفتح من الأهوال، فلما تأمله ضياء الدين، وجده كتاباً حسناً، قد وفي فيه الموضوع حقه، إلا أنه أخل بشيء واحد، وهو أن مصر لم تفتح إلا بعد أن قصدت من الشام ثلاث مرات، وكان الفتح في المرة الثالثة، وهذا له نظير في فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة فإنه قصدها عام الحديبية، ثم سار إليها في عمرة الفضاء، ثم سار إليها عام الفتح ففتحها، فلما عارض ضياء الدين رسالة القاضي الفاضل، أشار فيما أشار إلى الشبه بين فتح مصر وفتح مكة، وقال بعد أن أورد هذه الرسالة التي أنشأها: وعجبت من عبد الرحيم بن علي البيساني مع تقدمه في فن الكتابة، كيف فاته أن يأتي به في الكتاب الذي كتبه. وانتقد القاضي الفاضل مرة أخرى وإن لم يصرح باسمه عندما رآه يشبه حصناً من حصون الجبال بأنه أنملة، قال: فأي مقدار للأنملة بالنسبة إلى تشبيه حصن على رأس جبل؟!
وكان يوازن بين رسائله ورسائل الصابئ الكاتب ليرى مقدار تفوقه عليه؛ وهو يرى فيه أن عقله زائد على فصاحته وبلاغته، ذلك أنه يورد في كلامه وصايا وشروطا، واستدراكات وأوامر، ما بين أصل وفرع، وكل وجزء، وقليل وكثير: إلا أنه عبر عنها بعبارة في بعضها ما فيه من الضعف.
أما موقفه من علماء البلاغة فموقف الناقد المحاسب لا القابل المسلم، يورد أفكارهم، فيقبل منها، ويرفض، مناقشاً، مدعماً رأيه بالحجة، وإن جانبه الصواب أحياناً. وما كان يرى أن يدخل علماء النحو في الأمور البلاغية حتى لا يصدروا أحكاماً لم تؤهلهم لها دراستهم؛ وهو لذلك ينتقد أبا الفتح بن جني عندما شرح قول أبي الطيب:
كل جريح ترجى سلامته ... إلا جريحاً دهته عيناها
تبل خدي كلما ابتسمت ... من مطر برقه ثناياها
فظن ابن جني أن أبا الطيب أراد أنها كانت تبتسم فيخرج الريق من فمها، ويقع على وجهه فشبهه بالمطر؛ قال ابن الأثير: وما كنت أظن أن أحداً من الناس يذهب وهمه وخاطره حيث ذهب وهم هذا الرجل وخاطره، وإذا كان هذا قول إمام من أئمة العربية تشد إليه الرحال، فما يقال في غيره؟!
وأما رأيه في الشعراء فإنه يرى الفرزدق وجريرا والأخطل أشعرالعرب أولا وآخراً. (ومن