للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ليس يحدث بالآلة الجسمية. وله في ذلك حجج ثلاث: أولاها أنه لو كان تعقل هذه الصور بآلة جسدية لم تستطع أن تعقل ذاتها وتشعر أنها تعقل (كالحس مثلا أو الخيال والوهم التي تحس أو تتخيل وتتوهم أشياء خارجة عنها - دون أن تشعر بفاعليتها هذه) - إما العقل - فإنه يعقل الصورة الكلية. ويعقل أنه يعقلها - مما يدل على أنه ليس بينه وبين ذاته آلة أخرى وسيطة وبالتالي أنه يعقل بذاته - وحجة أخرى هي أن الحواس وما من شانه أدراك الصورة الحسية الجزئية يوهنها دوام العمل، ويصيبها بالعجز والكلال (وأمثلته هنا كثيرة واضحة) بينما القوة العقلية لا يزيدها التعقل إلا جلاء وجدة، وصفاء وقوة ودربة؛ ما لم يفسد الخيال والحس هذه الملكة. والحجة الثالثة على أن القوة العقلية ليست جسمية أنها ليست خاضعة للضعف أو الشيخوخة شأن سائر القوى البدنية في سن معينة. بل لا تزال قوية فتية بعد هذه السن بكثير ما لم يطرأ عليها طارئ مرضي أو نحوه. فإن صح أن النفس يتعطلفعلها عند مرض البدن كما يتوهم - أو عند الشيخوخة، فما ذلك إلا لأن النفس - كما بينا من قبل - لها فعل بالقياس إلى البدن (أدارته وسياسته) وفعل بالقياس لذاتها (التعقل والتفكير) فبابهما اشتغلت انصرفت عن الأخر لا تجمع بين الاثنين مطلقاً، بل نسبياً؛ كما لا يتم فعلها إلا بالبدن فهو عالة على النفس، وشر لا بد منه.

وآية احتياج هذه القوة العقلية إلى معونة القوى الحسية الحيوانية أنه لا يتم لها معرفة ولا تعقل إلا إذا أمدنها هذه البدنية بمادة المعرفة الغفل (الخام فعندئذ تبدأ النفس عملها على أنحاء أربعة:

(١) التجريد والتعميم وانتزاع الكلي من الجزيئات، واستخلاص التصور الذهني

(٢) ومن هذه التصورات الذهنية المجردة تقوم أحكام وقضايا سالبة وموجبة هي التي نسميها في المنطق التصديقات - التصورات تقوم في الحس المشترك والتصديقات في الخيال والوهم.

(٣) ثم إن المتقدمات الكلية التي تستقيم عليها الأقيسة والبراهين والعقلية لا بد أن تكون من واقع الحياة والتجربة، وأن يكون سبيلها الملاحظة والمشاهدة والتعميم الذي يؤدي إليه الاستقراء والحواس هي وسيلة الاستقراء الأولى.

(٤) وكذلك الخبرة والمسلمات والبديهيات التي نحصلها وتصدق بها لشيوعها وتواترها

<<  <  ج:
ص:  >  >>