نوح بن منصور الساماني الذي ألحقه بخدمته وأطلق يده في مكتبته منذ أن نجح - دون أطباء عصره - في علاجه وشفائه من مرضه، فنحا فيها النحو الأرسطي الكامل تقريباً في كتابه سواء في إثبات وجود النفس، وفي تعريفها وتصنيف ملكاتها، وقد نشر هذه الرسالة إدوارد فنديك في مصر سنة ١٣٥ هجرية (وتجدون نسخة منها بقاعة المطالعة بمكتبة الجامعة). كما أنه كتب رسائل أخرى مستقلة عن النفس باسم رسالة النفس الناطقة وأحوالها، ورسالة في أقسام العلوم العقلية؛ هذا عدا قصصه الرمزية الكثيرة التي كتبها أخيراً، والتي لا تعنيكم كثيراً لأنه حين كتبها كان قد تشرب الروح الصوفي المشرقي الذي قلت إن كتاب النجاة يعفيكم منه بما لم يعف (الإشارات) إخوانكم من قبل.
وتناول ابن سينا النفس في كتبه الكبيرة كذلك، وجعل لها في كل منها موضعا ثابتاً من قسم خاص لا تتغير مهما تجددت تواليفه وكتاباته، فإن طريقة ابن سينا في التأليف - كما يظهركم عليه تاريخ حياته وأقوال تلاميذه - كانت أن يحدد أولاً رءوس موضوعاته، ثم يتولى كلاً منها بالشرح والإفاضة؛ لأن مادته كانت حاضرة في ذهنه أبداً منذ أن استوعب حكمة القدماء وفلسفة اليونان حدثاً، مما يجعلك تلمس نفس الروح في مختلف كتبه؛ قبل أن يمزج فلسفة اليونان بالتصوف الشرقي والحكمة المشرقية.
فما هو إذن موضع الحديث عن النفس في كتب ابن سينا؟
تشغل النفس من غالبية كتابات ابن سينا القسم الأخير من الطبعات على حد تقسيمه هو والفارابي من قبله العلوم العقلية إلى نظري وعملي، والنظري إلى علم طبيعي أولي، وعلم رياضي متوسط، وعلم إلهي أعلى (وإن كان هو في كتبه لا يتعرض للرياضيات - العلم الأوسط - بل يضع محلها العلم الطبيعي، ويسبقه بالمنطق كمقدمة. فتصنيفه شيء، وخطته في كتبه شيء آخر) فلن تجد كتاباً لابن سينا لا يبدأ بالمنطق ولا يثنى بالطبيعيات، ولا يختتم بالإلهيات - حتى أن كتابه الإشارات قد سار على هذا النمط، وحتى قال المؤرخون إن القسم المنطقي الذي سقط من كتاب الشفاء هو الذي نشر منفرداً في (منطق المشرقيين).
والحكمة الطبيعية ذاتها تنقسم عنده قسمين: فمنها ما يقوم مقام الأصل، ومنها ما يقوم مقام الفرع، ومنها المبادئ الثابتة والأعراض اللاحقة كالحركة والسكون، والزمان والمكان، والخلاء، والتناهي واللا تناهي، والتماس والالتحام والاتصال، والتتالي. أما ما يقوم مقام