وهذا الذوق العجيب الذي يضاهي ذوق الإنسان هو علة ارتقاء الجمال الصوتي والنظري في الطيور كما علله دارون بسنة الانتخاب الطبيعي والتناسلي إذ الذكر الأجمل شكلاً أو صوتاً ينجح في المزاوجة، والأقل جمالاً يفشل، ذاك يكون له نسل وهذا ينقطع نسله، وبفعل ناموس الوراثة تتجه السلالة إلى إنتاج الأجمل.
قال دارون ولا شك أحد ممن لا حظوا أنواع الطير حال أسرها واعتزالها مركزها الطبيعي المطلق فإنها تفضل بعض الأفراد على بعض، فإن السير (ر. هيرون) قد وصف كيف أن طاووساً مزرقشاً قد اجتذب إليه كل الإناث وتفرد بها.
وإنه وإن كان لا يتسنى لي الإفاضة في هذا الموضوع فإني على يقين بأن الإنسان إذا استطاع أن يحسن في وقت قصير أنواع (البنتام) وهو ضرب من الدجاج الداجن - بحيث يجعلها بديعة الألوان رشيقة الصور فلست أرى مانعاً يحول دون القول بأن إناثه إذا انتخبت خلال آلاف من الأجيال أشجى الذكور صوتاً وأحسنها شكلاً وفاق ما يلوح منها من معاني الجمال فقد يحتمل أن يحدث فيها تأثيرات من التغاير ذات بال.
غير أن دائرة المعارف البريطانية تجعل من أسباب الغناء رغبة الطائر أن يشعر باقي الطيور بوجوده في المنطقة التي يغرد فيها وبذلك لا يقرب إليه ما يزاحمه على ما فيها من المواد الغذائية (راجع تفصيل ذلك في مادة
وهذا حديث يطول، إنما الذي وددت أن أقرره رأي علماء الحيوان في تعليل تغريد الطيور بأنه لأغراء الإناث وجلبها إلى السفاد ودعوتها إليه وأنه إعلان بمجيء فصل التزاوج وإن الأغاريد مغازلات غرامية، وإذا كانت أغاني الطيور أحابيل لصيد الإناث ووسائل إغراء وإقناع في غمار معارك غرامية كما بين دارون ووالاس وإخوانهما من علماء الحيوان وأفادا أن هديل الطيور شباك صيد ينصبها الهياج الجنسي فلا تلم عشاق الشعراء إذا تهيجوا وأصباهم الحمام بهديله لأنه ضرب على وترهم الحساس ونطق بلغة قلوبهم الولهى فأثارهم وهيج إحساسهم وإن لم يعرفوا كيف تسلطت تلك الأغاريد عليهم.
قال بعض الأعراب أنشده اسحق الموصلي.
ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... على الغصن ماذا هيجت حين غنت
تغنت بصوت أعجمي فهيجت ... من الوجد ما كانت ضلوعي أجنت