لينعم بمباهج ذلك العالم الخالد الذي طالما طمح إليه بأفكاره، وليطمئن إلى محاسن تلك الحياة التي طالما حلق بخياله إليها، وليغمر قلبه بنور الأبد الذي طالما حلم به وحن إليه. .
وعاد من عرف معروفاً، فاعتزل الناس، وخلا إلى نفسه، يغالب لوعته وينطوي على أشجانه.
ولئن خلا هو إلى رحمة ربه، فإن عمل معروف وروح معروف وفن معروف، هنا فيما ترك بين أيدينا من كتب ومقالات، وفيما حفظنا له من أحاديث وأقوال!
كان معروف الأرناؤوط طبقة وحده بين الأدباء، تهيأ له الذوق الفني، والخيال الخصب، والذهن المشرق، والقلب الزاخر بالحياة والإحساس، والنظرة النافذة إلى دقائق المعاني، والقدرة العجيبة على انتقاء الألفاظ وتنسيقها وصوغ العبارات التي تستأثر بالإعجاب. .
كان، كما لا يمكن أن يكون كل كاتب، يريق من روحه وعواطفه وعبقريته على ما يكتب، فإذا هذا الذي كتبه ينضح عطراً، ويلتمع ألواناً، ويترقرق عذوبة وألحاناً. . .
كان حسبي، إذا اصطلحت على نفسي الهموم، وتذاءبت على قلبي الأحزان، وتضافرت عليّ المخاوف، في ساعة من ساعات القلق والشك، أن أمد يدي إلى (سيد قريش)، حتى أجد عنده سكينة نفسي، وحتى أجد حلاوة هذه الفصول قد اتصلت بقلبي، وحتى أجد فن معروف يرفعني رويداً رويداً إلى دنيا غريبة فذة من المعاني المحببة والأحلام الجميلة والأخيلة البديعة. . . ولم يزل ذلك حسبي!
إيه معروف! لقد خلفتنا في دنيا غلب عليها الشر، وعدا عليها وعلى أبنائها الشقاء، والتائتْ عليهم سبل العيش، وابتذلت المقايس الكريمة والمثل الرفيعة، وعز عليهم أن يجدوا الطمأنينة لأنفسهم المرهقة. . خلفتهم وهم أحوج ما يكونون إلى نفحات القلب الكبير الذي يحمله الأدباء الكبار أمثالك، وإلى نفثات القلم الملهم الذي يتحرك في يد الكتاب أندادك، يلتمسون عندها الراحة والعزاء والسلوة.