للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

موازين الأشياء المطبقة في تقدير ما يقع تحت أبصارهم وأسماعهم، والعجز المضطرب عن ضبط الرأي، والضعف المطلق عن القيام بحق العقل والإدراك واكبر من ذلك كله انهم اصبحوا لا يرون صاحب رأي إلا وهو دونهم، فلا يسلم من انتقاصهم ونقدهم، فإذا صححت لهم وأردت أن تقيمهم على الطريق استكبروا واعرضوا، فكيف تأتي أنت فتعلم حامل شهادة الحقوق أو الطب أو الأدب أو الفلسفة شيئا يستيقن هو في نفسه انه قد فرغ منه وعلمه علما ليس بعده إلا العروج إلى سماء الخلود.

وكذلك الأمر في طبقات أخرى من العلماء إلى الأدباء إلى رجال القلم إلى أصحاب الصناعات إلى عامة الناس. وهذا شيء مخوف مدمر للجهود الذي بذلتها طائفة من السلف القريب في تسديد خطى هذا الشعب وترقيته وتهذيبه وتطهيره من الجهل والبلادة والغفلة. وإذا طال ذلك ولم نعالجه في مدارسنا وجامعاتنا وصحافتنا، وفي دور التسلية، وفي أندية المجتمع، فالعاقبة الوخيمة بالمرصاد لمن أهمل وأضاع وترك الأشياء تمضي في غير عنان وعلى غير هدى. ونحن الآن أحوج ما نكون إلى صحافة جديدة حرة لا تخاف شيئا ولا تخشى، تدل على مواطن العيب لا الطعن والتشهير وسب هذه الأمة، بل لعلاجها والدفاع عنها ونصرتها على نفسها. ونحن الآن أحوج ما نكون إلى شباب من الكتاب وشيوخ من المحنكين يخلصون الرأي لهذه الأمة، فلا يدعون الفرصة تفوت ويحملون الشعلة الجديدة إلى الجيل الجديد الذي لم يلوثه العناد والكبرياء واللجاجة والمراء. ونحن الآن أحوج ما نكون إلى طائفة ممن خبروا الحياة وعرفوها ليكونوا شهداء على مدارسنا وجامعاتنا وصحافتنا، تستعين بهم الدولة على نهج جديد يمنع عن جماهير الشباب وطوائف الأمة كل ما يزيد هذه البلبلة إيغالا وضراوة.

إن الزمن يمضي مضاء حثيثا كالنار في الهشيم، فان شئنا أن نحيي وان نستعد للذي أعدنا الله له من الظهور في الارض، واصلاح ما اختل من شئونها. فعلى كل قادر أن يجمع أمره، وأن يدعوا أصحابه، وان يلم الشعث المتفرق ممن يظن فيهم خيرا، لكي يتعاونوا جميعا على رد هذا البلاء بالرفق في مواضع الرفق، وبالبأس في مواضع البأس، وبالبتر حيث لا يجدي شئ إلا البتر بلا هوادة ولا رحمة. . . . .

محمود محمد شاكر

<<  <  ج:
ص:  >  >>