ولا تراهم إلا متزلّفين لكل صاحب سلطان، خاضعين له، يؤثرون رضاه على رضا الله، ويخافون غضبه أكثر من غضب الله. إذا رأوا الحرام منه خرسوا عنه، وإن رأوا المكروه من غيره أقاموا الدنيا عليه. . .
ومشايخ طرق ظاهرهم مع مريديهم ظاهر الفقراء الزاهدين، وحقائقهم مع أهليهم وإخوانهم، حقائق الفساق الذين ينتهكون كل حرمة، ويبتغون كل لذة، ويعيشون حياة ليس فيها شئ لله ولا للشرف.
أولسنا نرى كل يوم عملاء للأجانب، كالذين ذكرهم الأستاذ رمزي بك، يدرسون على حساب الأجنبي في مدارسه، ويتربون على يديه، ويسبّحون بحمده، يتوجهون أنّى وجههم، ويعملون له فيما استعملهم، ويعرفهم الناس هم وآباؤهم من قبلهم صنائعه وعبيده، يلبسون فجأة ثياب الوطنيين المخلصين، أو دعاة الدين الصالحين، ثم يدخلون (بأمر الأجنبي) الحزب أو الجمعية، فلا يلبثون أن يكونوا هم أربابها، وأن يقصوا عنها أصحابها، ثم يصرِّفونها لمصلحة الأجنبي، يخدمونه وهم يسبّونه، قلوبهم وأيديهم معه وألسنتهم عليه، وعملهم لمصلحته وإن كانت ظواهرهم لمحاربته؟
فلماذا نفرد هذا القتيل المسكين بالملامة، ونخصه بالنقد؟
وهل كل من حمل شارب الرجل، ولبس لباسه، كان رجلاً؟ لو كان هؤلاء. . . كلهم رجالاً فهل كان يمكن أن تبقى بلاد العرب إلى اليوم مجزأة مقطعة، تفصل بينها حدود وأعلام، يطؤها الأجنبي ويتحكم فيها، ويستغلها ويستعبد أبناءها؟ إن الرجال حقاً هم الأربعون الذين كانوا مستخفين في دار الأرقم في أصل الصفا، فلم تمر عليهم ثلاثون سنة حتى فتحوا نصف الدنيا، لا هؤلاء الأربعمائة مليون الذين ناموا منذ ثلاثمائة سنة حتى تجرأت عليهم نصف شعوب الدنيا؟ لو كان هؤلاء رجالاً حقاً واجتمعوا على الأسطول الإنكليزي لحملوه حملاً على أكتافهم، ولو نفخوا كلهم نفخة واحدة لطيّروا الجيش الإنكليزي المرابط عند القناة ولو بصقوا كلهم بصقة واحدة لأغرقوا يهود العالم. . .
ولكنهم أشباه الرجال، ولبسهم لباس الرجال لا يقل عجباً وغرابة، عن لبس هذا القتيل لباس