خصصت لقراءة هذا الكتاب زمنا ما، فما فرغت منه حتى عدت إلى قراءته، ثم عاودت النظر اكثر من مرة في بعض فصوله مثل ذلك الفصل الجميل الوعي الكوني الذي تتمثل فيه أصالة العقاد، ومثل البراهين القرآنية التي ترينا كيف يغوص العقاد فيخرج بما يطلب من المكنونات والخفايا. . .
ولقد قرأت في الإنجليزية كثيرا من الكتب التي تناولت مثل هذا البحث، واشهد في غير مجانية للحق إني ما ظفرت في أحدها بمثل ما ظفرت به في هذا الكتاب من الإلمام والاستيعاب، وإني لأعجب كيف يجتمع هذا كله بين دفتي كتاب لا تزيد صفحاته على ثلاثمائة، ولكنه فن العقاد. . .
وبعد فهذا كتاب ينبغي أن يقرأه المؤمن ليزداد إيمانا مع إيمانه، والحائر ليجد سبيل هدايته، والمتشكك ليطرح شكه، والجاحد ليعلم علم اليقين انه أسرف على نفسه بجحوده، هذا ما تركته في نفسي قراءة هذا السفر الجليل، ولعلي بعد ذلك لم أوف على الغاية مما أحببت أن أقول.
ولا يفوتني أن أشير إلى شيء آخر راقني في الكتاب كله، ذلك هو منطق ترتيب البحث وتأليف الكتاب، فأنت تخرج من فصل إلى فصل كما تنتقل من فكرة إلى فكرة لها أوثق الصلة بها، بحيث لا تستطيع أن تقدم منه فصلا على فصل، يضاف إلى ذلك انه ليس بين هذه الفصول المتساوقة ما يشعرك بأن في هذا الموضع أو ذاك فصلا ناقصا كان يجب أن يكون. . .
بحث الأستاذ في اصل العقيدة الإلهية وتطورها وتكلم عن الوعي الكوني كتمهيد للبحث في ذات الله، وفكرة الوعي الكوني هذه من اجمل وابرع ما صور للعقاد، واستعرض الكاتب بعد ذلك الأديان القديمة في مصر والهند والصين واليابان وفارس وبابل واليونان كلا منها في فصل، ثم عرض الأديان السماوية قبل الفلسفة وبعدها، وألمع إلى التصوف، وانتهى إلى براهين وجود الله العقلية منها والنقلية، وختم كتابه الجليل بكلمة في آراء الفلاسفة المعاصرين وفي العلوم الطبيعية وعلاقتها بالمباحث الإلهية. . .
ومن هذا يدرك القارئ كيف كان بناء الكتاب على هذه الصورة من براعة المنطق.
تحيتي للأستاذ الكبير مشفوعة برجائي أن يزيدنا من ذخائره الطيبة الفذة التي نحن أحوج